Powered By Blogger

السبت، 30 أغسطس 2014

الموصل وحلب


 الموصل وحلب

فوضى عارمة تجتاح البلاد من شرقها إلى غربها ، من الموصل أمّ الربيعين، مدينة العلم والفقه والأدب والموسيقى والغناء بلد إبن الأثير صاحب جامع الأصول والكامل في التاريخ ووحيُ أبي الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني،  وحلب الفيحاء موئل الشعر والأدب ، ومرتع  الشعر لأبي فراس والمتنبي وماذا بعد أو قبل ما أنشدا من شعر لا يزال يدغدغ الأحلام والنفوس ويرفعنا إلى حيث لا أعلى  ولا أروع ويسعفنا بحكمة وصياغة وقولٍ لم يماثلهما إلاّ قول متفوّهٌ قدير لا بدّ وأنه إستوحى من أجواء كلامهما ما يقول. وما بال المعرّي في منبجٍ  حلب المكفوف العينين المتبصِر ببصيرته صاحب رسالة الغفران التي تصف الأحوال في النعيم والسعير والشخصيات هناك والذي أخذ دانتي عنه كوميدياته الإلهية فكرة ومضموناً
أقول أن الفوضى عارمة بحدود تتغير يوماّ بعد يوم يحدها من الشرق علم وأدب ومعرفة وبالغرب ما شاء وشئتم من شعرٍ وأدبٍ لا يرقى إليه إلاّ من قرأه وفهمه وأدرك معانيه وعاش ما فهم وما علم ولم ينشقّ عن كل ذلك لأي سبب
نحكي عن مدينتين تاريخهما تاريخ قمة العروبة والإسلام نحَتا  كلما نشتهي بعرق الجبين والعمل الدؤوب والدم ما طلب. الموصل وحلب ليستا مدينتين على خارطة يهتدي الناس إلى كل منهما بالقياس ولا السؤال. هما من إهتدى الناس بما قّدما للناس من كلِ ما يشتهي الناس. نقول "الناس" ونقصد من هو بشرٌ إرتضى الناس به وارتضى هو بتاريخ جذوره وأحب أهله وجاره والناس فأحبّوه. هو الإنسان العادي ألذي لا يفكر شرّا ولا يفعل شراّ ولا يعرف الشر. هو نحن، أنت وأنا لا من إنصرف الناس عنه وصرفوه
الكلام كلّ الكلام أن هذه الفسحة من الجغرافيا والتاريخ ترزح اليوم تحت عبء لعنة التاريخ. هذه حدود الدولة الإسلامية اليوم حلي غربا والموصل شرقا. ماذا عدا مما بدا كي تغيب الموصل وحلب وتظهر إحدى لعنات التاريخ وتمارس ما لم تبلُغ مداه جحافل هولاكو ولا خبث ودهاء فكر الحشّاشين . لا عقدة تمنعهم ولا ضمير يردعهم من ارتكاب الفحشاء والمنكر عن سابق علم وتصميم. هم أصحاب فكر نكاح الجهاد وختان النساء قَصراّ وهم الذين إختاروا أن يكافئوا من ليس منهم أو لا يتّبِع طرقهم بالقتل ذبحاً وسبي النساء والأطفال وكأن حواري الشهداء في الجنة بعيدة المنال أو أنهم يعلمون بأن الله لا يرضى عمّا يفعلون وأن الجنة لن تكون مأواهم فيعجّلون ما تعِد الجنة به للصالحين ويختصرون الزمن بنساء لسن من حواري الجنة  يأخذوهم عنوة هنا على وجه هذه الأرض لأنهم يعرفون أنهم لن ينعموا بالجنة أبدا
المجاهدون جاؤوا من أرجاء الأرض. بعضهم إن لم نقُل أكثرهم لا علاقة لهم بالإسلام ولا يتبعون تعاليمه. الجمع الكبير منهم لا يعرف العربية ولا يقرأ القرآن إستقدمته داعش إليها بالأعلام مقابل مال كثير وعلى كلٍ أكثر مما يستحق في سوق العمل ووعدته بالعيش على هواه ووفت بالوعد لمن طال أمده ولم يُقتل في أول معركة سيق إليها
في ثلاث سنين فقط ملكت هذه الداعش أرضاً متَصلة مساحتها تكبر كلَ يوم ومواردها تزيد كلَ يوم وطموحاتها تطفح يوماً بعد يوم. كيف صار ما صار ونشأت دولة كهذه وبهذه السرعة ، الله يعلم ولكن من يعلم أيضاً هو من جاءته فكرة وفرصة وهدف وقدرات لا حدَ لها ورأى ما لا نراه فسخَر الدين والدنيا والتاريخ والجغرافيا والخوف والرعب الذي هو قادر على إبتداع الأسوأ منه وغامر كأي مغامرٍ وربح
كنا نظَرنا واستشرفنا وحلّلنا ما يردنا من أخبار وإشاعات وتأكيدات وشكوك عن أصل المعضلة إيّاها. من ولماذا وكيف طرأت. نحكي عن داعش الدولة الإسلامية ونستغرب أن تكون الشائعات قد طالت كل دول العالم غربها وشرقها، عربها والأغراب عنها وسارت الأقاويل تؤكِد ما تكذّبه الأخرى ولكن لم تأتنا الأخبار بما يُصَدَق . أميركا تتهم أحياناً، نظام الأسد متهم أيضا لأنه أطلق من سجونه قادتها ، قطر متّهم لا ينكر ولا يؤَكِد  وأموال أفراد من دول الخليج وغيرهم أتتولا تزال ولا نستبعد ولا ننفي ولا نؤكّد إلاّ أن المال آت لا محالة،  فنحن، عامّة الناس،  لنا حدود في هذا النوع من المعرفة لا نتخطَاه ولا نتعدّاه
الأموال أتت من كل صوب وحدب، هذا من قبيل تأكيد المؤكّد واليوم لا تحتاج الدولة الإسلامية إلى مال فعندها منه الكثير. والدول الكبرى أعطت داعش مداها فهي لم تتعرض لداعش في أول تكوينها وحتى اليوم الذي هدّدت مصادر بترول العراق في وحَول الموصل وربما لأنها تسرّعت وهجّرت المسيحيين والأزيديين مما أقام الدنيا إعلاماً ولم يقعدها بعد. وقامت أميركا بضربات جوّية لا تشبع ولا تغني من جوع. فداعش لا تزال حيث كانت قبل التدخُل العسكري ولا نرى ما يشير بأية جدّية لمحاربتها
الروسيا لا تزال تفكّر وفكرها ينصبُ فقط على ما يمكن أن تحقق من ربح لحليفها وربيبها بشار الأسد. وكما أسلفنا فإن هدف ما نكتب لا يتعدّى البكاء على ماضٍ كان غنياً بالعلم والمعرفة وهذا العالم بحدوده كما كانت أصبح مركزاً متقدّما لكل ما هو ممجوج وعبثي  نأمل أن لا يكون مقيماً بل راحلاً إلى غيرها من العوالم التي لا نأبه لما يحلّ بها وفيها



حلب
الموصل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق