Powered By Blogger

الثلاثاء، 30 يونيو 2015

نرى العجب في زعماء العالم

نرى العجب في زعماء العالم

الإدارة الأميركية غائبةعن السمع، هي في عالم آخر لا علاقة له بدنيانا ولا بما يجري في المناطق التي لها فيها وجود ومصالح وسياسات، على هزالها، عندما تقول "إنها لا تجد دليلا على أن هجمات الكويت وتونس وفرنسا منسّقة". أي أن لا رابط محسوس بينها، فرأس مدير الإرهابي المقطوع والمُعلق مع علم داعش إلى جانب الطريق ، وكيف طار مرتكب جريمة الكويت  من السعودية إلى البحرين والكويت ويتجه إلى مسجد يفجره. وماذا عن تونس وما جرى فيها؟ اليس كل العاملين فيها داعشيون باعترافهم، وألا يكفي الإعتراف منهم بولائهم ؟ لكن أوباما يريد أخبارا موَثقة كتوثيق الزنى الذي يلزمه أربعة شهود عيان. وعلى من يريد الزنى أن يصطحب أربعة شهود عدول وإلا فإن زناه باطل لا يُحاكم.

في فرنسا 2500 جامع يدير بعضها حاقدون ودعاة من النوع الآخر. ألم يحن الوقت لتحديد ومراقبة أماكن العبادة منعا لإستهداف مرافقها وأهلها وشعبها من قتل وتعليق رؤوس تجزَّ بإرشاد ديني من نوع آخر أيضا.

بوتين أعلن أمس بأنه يسعى لحلف سعودي خليجي تركي سوري لمكافحة الإرهاب لأن سوريا غير قادرة لوحدها على محاربة إرهاب داعش والآخرين. خفيف ظل هذا البوتين الذي همُّه تهذيب جسسده وتقوية عضلاته وتحسين أدائه في التيكواندو وهو بطل مشهود له في هذا المجال. ليته يهذب الضمير ويسعى لخير الناس وليس لخير بشار الوحيد القادر على هذه الحرب. عنتر هو بشار وعبلاه تهتم بالطيور قبل أن تنقرض أو تهاجر كباقي الشعب. مسكينة سوريا والتي تُهَيَّا وَتُسَمَّن لتؤكل عندما تحظى بقبول من يربيها. سوريا ستكون أكبر مصدر دخل للعالم الذي لا يزال يهدم ما تبقى من بنيانها وما أن تكمل تهيئتها حتى يبيعونها إعادة إعمارها ولن يكون الثمن أقل من 300 مليار دولار تُصرف من لحمها ودمها على مدى عقد من الزمن أو يزيد.

التفاهات التي نذكر هي السياسات المتجددة لمن نذكر. ألم يبقَ عندهم من حواضر البيت ما يغيث ملهوفا أو يطمئن جائعا أو يشعر من يسمعهم بأن في القادة بعض الذكاء وبعض مساحات سياسسات لم تنحدر إلى مستوى شارعي يخجل من فيه من مجاراة القادة بكلامهم. ما يقولون مخجل ومثير للشفقة وإلا كيف نفسر ما طالعونا فيه من تفاهات استراتيجية؟؟

صباح هذا النهار، اليوم الأخير من حزيران، فوجيء اللاجئون السوريون المستفيدون من مساعدات مؤسسات الأمم المتحدة، برسالات نصِيَّة على هواتفهم تبلغهم بأن المساعدة الشهرية البالغة قيمتها 19 دولار قد تم تخفيضها إلى 13 دولار، أي أنهم سيتقاضون إعتبارا من أول تموز غداً، 68.5% مما يتقاضونه اليوم. وليت الأمم المتحدة بما لديها من أجهزة متطورة وعالمة أخّرت هذه االرسالة المحزنة المحبِطة لمدة أسبوعين إضافيين كي يمضي العيد قبل أن تتنغص حياتهم مرة أخرى. لا بد وان هناك من المستعجل في أمور الأمم المتحدة ما ألزم بان كي مون الموافقة على تنغيص حياة المُهجرين،   الحياة المُذلة كل يوم.

آخر حزيران 2015





الاثنين، 29 يونيو 2015

ثالثة الأثافي

الأخبار تترى وتتوارد وإن لم تنشر فتنتشر وتوقظ النيام وتؤرقهم ويبقى بشار بمباركة المنتفعين من بقائه وهم ثلاثة ، على رأس عمله مديرا ومدبِّرا لقتل ما تبقى من الشعب السوري بالبراميل والصواريخ حينا وبالغازات السامة أحيانا أخرى لمدة تساوي زمنيا ما مَرَّ منذ بدء الثورة، وتبقى التنديدات على حالها وهي لا تشي إلا بسوء خلق من يطلقها لمعرفته بما يجري وما خُطِّط ويُخَطَّط له من مآسٍ ما أنزل الله بها من سلطان لشعب أصابته العين ، في سهام مسمومة خرجت من عين الفاعلين الثلاثة إلى نفس  المفعول بهم، مساكين أهل هذه الأرض الطيبة.

متى تنتهي حروب المنطقة سؤال جرَّبنا الإجابة عليه ولا أعرف أن كنا توفَّقنا أو عاكسنا القدر وسياق المنطق  فأخطأنا. في الحالتين لا جواب يقنعنا أو يقنع الغير. الحرب ماشية ، تتغيَّر ساحاتها فتجد لنفسها كل يوم ساحة جديدة تُدشِّن القتل والتدمير والتهجير فيها. لسنا متشائمين بسبب مجريات الحرب ولكن لسنا متفائلين بحس نية من براها ومن رعاها ودعم مسيرتها واحتوى ردود فعل من عاناها ويعانيها ولم يتوقف عند حاجة للحرب نقصت إلا  وعوَّضها حالاً وسريعا وعلى عينك يا تاجر. السلاح من أحد الثلاثة والمال والرجال من آخر والثالث ، ثالثة الأثافي بِالشَّرِّ وَالْمُصِيبَةِ العَظِيَمَةِ، وما أدراك ما ثالثها، يديرها ويوجه مسراها وهو قابع في مكان ناءٍ ، بعيدا عن السمع متسربلا ثوب العِفَّة والنية الحسنة ومقيما في بيت أبيض يوحى بالنظافة. البيت أبيض وساكنه ليس كذلك.

قال خفاف بن ندبة:
وإنَّ قَصيْدَةً شَنعاءَ منِّي... إذا حَضَرَتْ كَثالِثةِ الأثافي
معناه أنه رماه بالشَّرِّ كلِّه فجعله أُثْفيَّة؛ حتى إذا رماه بالثَّالثة لم يترك منها غاية.
قال علقمة بن عبد:؟
بَلْ كُلُّ قَوْمٍ وإنْ عَزُّوا وإن كَثُروا... عَرِيْفُهُم بأثافي الشَّرِّ مَرْجُوْمُ
 ألا ترى علقمة وقد جمعها كلها فأفاض.
 وما لنا بهم،  فهم من غير لحم ولا دم ولا ضمير ولا ربٍّ يعبدوه أو أقلُّه يسيروا بما جرَّب أن يعلمهم إياه. وهم لهم من الأذناب والأحزاب التابعة والمرتزقة الذين يبغون مالاً ورزقا حراما ً توَفَّر لثلاثتهم وهم يوفروا بعضه للأزلام بكافة  أشكالهم. هؤلاء يخدمون المال وليس من يوفره لهم.  المنافسة على الخدمات تُغيِّر الولاءات، وولاء الأزلام والأحزاب ولاء مصلحة.
واضح أنني أعني الوالي الفقيه في قم، وبوتين الديمقراطي في موسكو وأوباما الجالس سعيدا في أروقة البيت الأبيض. 
إذن، إذا صدقت الأخبار فالحروب طويلة وبعض ساحاتها بدأ يظهر للعيان. أميركا حذرَّت من الإرهاب يشن على أرضها الواسعة حربه يوم الرابع من تموز، وفرنسا وتونس والكويت لم تعد بحاجة إلى تحذير لرعاياها فقد شاهدوا ما أصابهم وهم كلهم على خوف عظيم.
بصدق المؤمن أقول أننا لا نريد أن نرى الحرب القذرة التي يقودها الثلاثة تصيبهم أو تدخل على ناسهم فالناس لا ذنب لهم وقد فوّضوا من وثقوا فيه ليرعاهم أمناً واقتصادا وسلاما وهم لا يعلمون ما ينتظرهم، وكلي أمل أن يبقوا بعيدين عن حربنا ولا يسمحوا لمن فوضوهم بأن يجلبوا لهم مثيلا ليوم 9/11.

29/6/2015


الأحد، 28 يونيو 2015

بمن نستجير؟


بمن نستجير؟

اليوم مثل باقي الأيام، يوم أسود ميّزه عن غيره مساحة الإرهاب وليس وجوده ، وضربِه في مواقع تختلف نوعا وموضوعاً ومعنى. في ليون ضُرِب مصنع للغاز بيد موظفٍ فيه،  قطع رأس  مديره وعلقه مع راية. الفاعل من أهل المدينة مسلم ولا سابقة جرمية عليه. أثارَ هذا العمل خوف في كل فرنسا.

وفي سوسة ، مدينة سياحية في شرق تونس، زار داعشي شاطيء فندقين ينزل فيهما سُواح أوروبيون ، وسحب رشّاشه ورمى المتمددين على رماله برصاصه فقتل 37 وجرح 37. وأظنُّن أنه قضى على موسم السياحة في تونس لهذا العام.

وفجَّر داعشي نفسه داخل مسجد الإمام الصادق في الكويت العاصمة والحصيلة 25 قتيلا، وربما أكثر، و202 جريحاً. والمسجد للشيعة والقتلى والجرحى منهم. الكويت ساحة جديدة تقتحمها داعش أو من يطمح أن يكون عضوا فيها فأيقظت فتنة سنية شيعية كانت نائمة.
كوباني قرب الحسكة في شمال سوريا تعرضت لمذبحة حصيلتها 146 قتيلاً من المدنيين، وفَرَّ نتيجة لها 60،000 لاجئا لا ندري إلى أين وقد يصل العدد إلى 200،000. داعش قامت بها.  ,هنا لا بد من القول أن داعش الدولة الإسلامية لا زالت قادرة على إسترجاع ما تخسر إحدى جولاتها.

وعليه أفادنا بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة بأنه يُنَدِّد بالإعتداءات "الإرهابية والمرعبة" التي حصلت ، داعيا إلى محاكمة المسؤولين عنها. ولم يفِدنا سعادته كيف نحاكم المسؤولين؛ والمسؤولون هل هم معروفون لديه ومن هم؟ حتما من حمل السلاح وقتل هو جهادي داعشي ، ولكن نعود لنسأل وببراءة الذئب : من هو المسؤول؟ هل هو من عمِل وهيّأ ودرّب وخطط وأدار الدولة الإسلامية وشَدَّ على يدها وسلَّحها لغرضٍ في نفس يعقوب؟.

ولم يتوانى ناطق باسم إدارة أميركا عن التنديد بالهجمات "المشينة"، معربا عن تضامن الولايات المتحدة ومؤكدا عزمها على مكافحة الإرهاب. كيف ولماذا،  والإرهاب لم يبدأ اليوم؟ هي تعرفه بدليل أنها كانت قد أعلنت عن عزمها مرارا وتكرارا على مكافحته، وكأن في التكرار ما يؤكد العزم والواقع يغاير هذا التفسير. داعش ولدت يوم بدأت الثورة السورية ولم تَطُلَّ برأسها إلى أن إكتملت عُدَّتُها وتهيأت لتقوم بما أُنشِئت لأجله. وكانت تهيئتها كاملة غير منقوصة وفي عام واحد إحتلت نصف العراق و60% من سوريا. وأُنشيء حلف من 20 أو 40 أو 60 دولة ، الأرقام تتغير وتتبدل بتغَيُّر من يتحدث، ولم يقم الحلف بطائراته وجيوشه بأي عمل يَضُرُ بداعش.

بمن نستجير؟ سؤال ناقص وقد بكون جوابه  الأصح :" كالمستجير من الرمضاء بالنار". أميركا مشغولة بإيران، وإيران مشغولة بالعراق وسوريا واليمن، والروسيا مشغولة بأوكرانيا وبمساعدة عميلها بشار ولا يناسبها محاربة داعش ، وبشار مشغول بالعصافير التي قد تنقرض في مناطق تحتلها داعش. لا نمزح فالسيدة الأولى لما تبقى من سوريا أصدرت بيانا رسميا بالأمر كما تحدثت وكتبت عن إبنها حافظ، وهو من أول إهتمامات بشار ، لتقول بأن علاماته المدرسية كانت قريبة جدا من علامة الكمال، وكأن ذلك لم يكن في الحسبان فديمقراطية النظام لا يمكن أن تًغمُط حق حافظ في الإبداع .

عمائم إيران يهمها بقاء داعش مرحليا فهو يعطيها العذر والدافع لإكمال سيطرتها على مناطق نفوذها، وتنتظر الفرج من أميركا بإعادة ما حجزته من مال يخُصُّها كي تكمل مسيرتها التوسعية ، وأوباما ينتظر ليأخذ صكَّ البراءة موقعا من الوالي الفقيه ليتباهى به هو وأولاده والأحفاد.

بكلمات أخرى، الكلام عن "التنديد" بالعمليات "المرعبة والمشينة" كلام حق يراد به باطل ، وهو لا يتعدى موقفا من موقفين: العجز أو حصة في داعش.

 أ













الثلاثاء، 16 يونيو 2015

حروب بلا معنى


حروب بلا معنى

تلوح في الأفق بعيدُه وقريبُه غيوم تتكاثر وتتراكم يتغير لونها من الأبيض الذي نرتاح إليه إلى أسود ا ترتاح له قلوب وجيوب أمراء الحروب، إستذوقوا نعمات الحروب وما تأتي به من خيرات، بعضها يأتي ممن لم "تبع له بتاتاً ولم تضرب له وقت موعد".
من "لم تبع له بتاتاً" واحد من عشرات ممن يرى في الغيمة مدخلا لتحصين موقعه وتسويق معتقداته، ولا أحصر المعتقد بالدين ولا المذهب بل بكل ما له علاقة بهدف يطلبه ويسعى إلى تحقيقه. بائعوا السلاح والمخدِّرات والعقائد أسماء لمسمّى وأمراء الحروب وكلاء حصريون لما يُرَوَّج في أسواق هم حُكَّامها "يوم تبدي البيض عن أسؤقها..... وتلف الخيل أعراج النعم". لم يتغير شيء لهذا أستعرنا من مهلهل حرب البسوس وطرفة بن العبد، وكلاهما إنتقل إلى ديار الحق من زمان مضى ، وسبق أيام الهوان التي تعيش جراحها عرب اليوم.    
لماذا التشاؤم؟ ليس فيما كتبنا تشاؤماً، فيه وصف ولو وجداني للواقع المُرّ الذي ساهم في إرساء قواعده فئة من البشر، نسميهم كذلك مجازاً، فيهم رؤساء دول إنتُخِبوا صدقاً وفيهم رؤساء  إنتخبتهم شعوبهم بالإجماع وآخرون لم يُنتَخبوا بل فرضوا وجودهم بالدين أو بالسلاح  أو بالإثنين معا، كلهم رؤساء وكلهم يشي تصرفهم بوحدة رؤياهم، ونحن أي الناس بتنا في "حيص بيص" خلقي وديني، إذ أن من نحتقر ومن نُجل يتصرف وكأن المعطيات واحدة والأهداف تتلاقى وما يجري لا مرَدَّ له وإن "من عاش مات ومن مات فات وكل ما هو آت آت". قس بن ساعدة ، أنجَدنا.
إذا صح الصحيح وما قلنا ، فإن الأمر لا يحتاج إلى الكثير من التحليل والتفصيل. رئاسة أوباما وعمامة الوالي الفقيه والروسيا اللاعبون الكبار في إجتراح مآسينا والسير فيها مُصمِّمين مُتفقين ، راضين بالنتائج والحصص التي تعود إليهم، وإسرائيل لا تستطيع إلا أن تكون سعيدة وأحلامها تتحقق رويدا رويدا على يد من ذكرنا. لم يعد لإسرائيل أعداء في محيطها ولا في المحيط الذي يليه وأمامها قرن من الزمن  لها فيه الحرية التامة الكاملة في إرساء فكرة وجودها .
ماذا بعد؟ سؤال فيه الجواب ؛ علينا القبول بما يُخَططون بل قاربوا تحقيقه فنوقف النزيف أو ثورة من سَقر " وما أدراك ما سقر لا تبقي ولا تذر لوّاحة للبشر" }سورة  المدثر{.

أركان 16/6/2015

الاثنين، 15 يونيو 2015

فوضى تَلُفُّ العالم


فوضى تَلُفُّ العالم

رحم الله المتنبي إذ قال:
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونهُ... وَصَدَقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّم
وَعَادَى مُحِبّيهِ بقَوْلِ عُداتِه...... وَأصْبَحَ في لَيلٍ منَ الشّكّ مُظلِمِ

هكذا يتصرف ولاة المذاهب في شرقنا.  يقولون ما لا يَضمرون ويتوهمون أعداءًا وأصدقاءً ويعملون في فراغ هم أسَّسوه وانتقلوا إليه وعاشوا فيه ولا يهمهم ولا يُشغل بالهم ما ومن هو خارج هذا الفراغ. يتكلمون ويُنَظِّرون وكأنهم يعيشون بين إسلام وجاهلية ، تشُدُّهم الجاهلية ويُقَوِّيهم الإسلام فيأخذون من هذا وذاك ما يناسب يومهم وما يَضمرون. والهدف المرتجى لا علاقة له بالإسلام ولا علاقة له بالجاهلية، هو محض تَصَوُّرٍ لمصلحة يعملون في سبيلها ويُضَحون بشعوب تسير بما يُخطط لها بوعي كامل بالجريمة التي يرتكبون. أما الناس فبعضهم من البساطة بمكان ، يستجيبون لكل نداء ويسعَون للشهادة بسرور والبعض فقير ذليل يستجيب للنداء لتأمين حاجات أهله ويموت في سبيل لقمة عيش هم في أمَسّ الحاجة اليها .

هؤلاء ليسوا فرقة منعزلة ولا فريدة ولكنها نمط يتكرر ولم يعد في الساحة غيرها. هؤلاء أشكال وأنواع لكلٍ فكره وأسلوبه وهي تتضارب فكرا وتملأ حيِّزا كبيرا جدا يمتد من أفغانستان شرقا مرورا بإيران وبلاد العرب كلها من خليجها إلى المحيط. في هذه الساحة دول لا تزال تسعى كي تنأى بنفسها والشعوب عن جنون إستشرى ، ويدافع حكامها عنها وعن مصالحها ومصالحهم وهم في الواقع يخافون ولا ينكرون خوفهم من الشَرّ الذي أطَلَّ بوجهه منذ أربع أو خمس سنوات وتمدد ويقوى ولا من يردع هذا الوحش القادم من مذاهب ما أنزل الله بها من سلطان.

الدول الكبرى تنام عن هذه الأزمة. هي مرتاحة لأنها تترك للمقاتلين تصفية بعضهم البعض ولا أدري إذا ما كان هذا الغرب يفكر بما قد يطاله، وهو الآن يستورد الآلاف ممن قد يكونوا مدربين حاضرين ناضرين للقيام بما يوحى إليهم القيام به. أولادهم يأتون بالمئات للإنخراط في رومانسية هذه الساحات ويحاربون ويَقتلون ويُقتلون وبعضهم في سن المراهقة يلبسون المتفجرات ويهاجمون منتحرين. أليس في كل هذا ما يستحق الإنتباه والخروج من "فراغ" أفكارهم ونومهم المستمر ليتدارسوا مصيرهم ومصير أبنائهم الموجودين اليوم على الساحة وأمكان توسعها فتمتد شمالا وغربا لتصل إلى أحياء سكنهم؟.

كل ما نسمع في هذا المجال لا يستحق الذكر. كله من نوع "سوف". سوف نعمل وسوف نفكر وسوف نهدد. وكلمة سوفَ في القواميس هي : حرف تسويف واستقبال مبنى على الفتح الظاهر ولا محل له من الإعراب.

سنان15/6/2015










الثلاثاء، 9 يونيو 2015

الأخلاق ذَوَت والأوهام سادت


الأخلاق ذَوَت والأوهام سادت

الناشطون دوليون وجيران وإخوان. مذهبيون، تحار أسلحة، عقائديون ، أصحاب مباديء غريبة علينا، إقطاعيوا سياسة ومال، رؤساء دول لها في الديمقراطية باع، إرهابيون يَجُزّون الرؤوس، خليطٌ من هذا وذاك، كلهم في ما يقومون به سواء
يبترون قدرات شعوبنا، يحيلونهم إلى مستويات من اليأس غير مسبوقة ولا مقبولة، يُهَجِّرونهم وكأنهم ماشية ترعى في إقطاعاتهم، يخاطبونهم وكأنهم من عبيدهم فكراً ودينا وعقائدا ، يمنعونهم من أن يحيوا كما أراد الله لهم أن يحيوا ويعيشوا ، ونصَّبوا أنفسهم مرجعا زمنيا دينيا واحداً أحدا "لا شريك له" ، يأمر وينهي ويوّجِّه وعلى العبيد الطاعة المطلقة؛  لا حوار ولا بحث ولا جدل ولا حتى حديث فيها.  هكذا "تورد" إبِلِهِم وهكذا يسوقونهم بالعصا حينا وبالسَوط أحيانا ومن لا يُعجِبُه الوضع تُسبى عياله أو يُجَزُّ عنقه أو قد يرأفوا به ويهجرونه بعد أن يَسطوا على ماله وبيته وحتى ثيابه
نحن لا نكتب عن داعش الدولة الإسلامية ولا عن أمير مؤمنيها لأنها سبق لها الفضل وأعلنت موقفها من البشر؛ نتحدث عن من يدَّعون أنهم وداعش على طرفي نقيض وهم ليسوا كذلك. هم علَّموا داعش مذهبا وداعش تلتزم بما علَّموها  وتؤمن بقواعد تعاليمهم  وبالتالي هي تقوم بما فرض "الله" عليها أن تقوم به كما فهِمته من "علماء " دَرَّسوها وفسروا كل ملتبس من تفاصيلها
هم يشجعون الشباب الإلتزام بمذهب داعش لأن فيه مصلحة لهم.  بإعلاء قيمة وسمعة وتكبير حجم داعش،  يجدون لهم العذر للقيام بأعمال المذهب المُلتَبس الذي هم إختطوه وعملوا بموجب قواعد أرسوها له
من هم؟ هم كُثرٌ، نبدأ بالسُنة ثم الشيعة وبعد ذلك بمن هم ليسوا من هذا المذهب أو ذاك، كلهم ساهموا " بتضييع البوصلة" وتعاونوا لأن في تعاونهم ما يفيد كلاً منهم ، أما البشر، يعني كل من ليسوا منهم،  هم خوارج هذا الزمان؛ هم كلهم كبش فداء يُضَحَّى به لإرضاء النزوات والأهداف التي يحملون،    لأنهم مادة وآلة مستلزمات عملهم، لا قيمة لهم خارج هذه الوظيفة
لا أظن أنهم يدركون مدى وعمق الألم الذي يولّدون ولا أظن أنهم على إدراك بمستوى المغامرة التي ينفذون. مستقبلهم قصير المدى وعقلهم قاصر عن معرفة ذلك، لأن ما يعتمدون عليه، مال وسلاح وتخويف، يمنع عن عقولهم وقلوبهم رؤية واقعهم والثمن الذي يدفعونه حين يحين الحين ويأتي أوان الشدِّ وتصبح رؤوسهم في "الدَق"؟
أما هم ، فبعض السنة الذين تطرفت مفاهيمهم الدينية ووجدوا في داعش متنَفًّسا لسلفية دار عليها الزمان،  آمنوا بها وإعتنقوها ،  وساهموا بالمال والرجال زكاة عنها ،  ووجدوا في مساهمتهم بعض الطريق إلى الجنة. وبعض الشيعة الذين وجدوا في داعش سببا وعذرا لما يرتكبون من معاصي فأيدوهم وتركوهم يتمددون حتى أصبحت كلمة داعش سببا للخوف والفزع فأعلنوا الحرب عليها بالإعلام وإن لم يُطلقوا عليهم رصاصة واحدة . ولأن الشيعة الذين نقصد ، لهم دولة وولاة معممون وقد استباحوا الأرض والناس في تمددهم حربا لم تُراع فيها أصول الحروب وقتلت وهجرت وأبادت مدنا على من فيها بأمها وأبيها على أمل أن يستقرَّ  الوضع لها فتنشأ إمبراطورية تعيد للفرس عزتهم والسؤدد
أما أميركا فلم تُقَصِّر أبدا في إعلاء شأن داعش ، وهي تحاربه في العراق الكردي ومناطق سوريا الكردية وليس غيرها وإن رمت ببعض المتفجرات بين حين وآخر على داعش فقط لتخفي ضلوعها في المؤامرة وتمكَّنها  وترسَّخها فيها. أميركا وجدت في مباديء شريكتها الفارسية ما يُستفاد منه وبدأت بالتقِيَّة مبدءأ يستفاد منه؛ إستخدمها  باراك حسين أوباما وأجاد فيها. يستعملها كل يوم، بضبابية سياسته، بنكوثه بالعهود التي قطعها، بتردُّده الذي يوحي إما بالتقية أو العجز ولا ثالث للخيارين. بالتهديد والوعيد يتبعه النكول بما هدد، بقبوله عهد الوالي الفقيه بمنحه شهادة حسن السلوك، وهو على كل حال شريك بالقتل والهدم والتهجير
لا أظن ولا أعرف من يظن أن محاكم ستُنشأ لمحاكمة المجرمين لأنهم أقوى من قوانين هذا العالم ومباديء الدين والأخلاق  والسلام والرأفة، إن لم نقل العدل إذ أن العدل ليس في ساحة الخيارات الأرضية
ربما حانت ساعة الصلاة، علَّ وعسى
أركان 9/6/2015

الاثنين، 8 يونيو 2015

الحلف الدولي وما يتبجح به

الحلف الدولي وما يتبجح به 

بكل فخر واعتزاز وصَلَف وبهجة وسرور عارم يعلن الحلف الدولي أنه يقتل ألف داعشي كل شهر، أما المدنيين الذين يقتلون بسبب الغارات القاتلة فلا إحصاء لهم.. لم يُضِف ولم يُعلن أن القتل أساسه عدم رغبته في إنهاء داعش وأنه لم يُقدم على ما يمنع توسعها ، فساند كل من ساهم في إستيلادها ولم يقم بما يوحي بأن مساندته لم تكن طوعية ومقررة ليُتضح فيما بعد  بأنه أراد لداعش أن تتمدد.

لم يُمنع الشريك الحليف الطاغية البعثي من التعاون وإيران ومشتقاتها وساداتها المحاربين المعممين والذين سيعطون شهادة حسن سلوك للمانح المانع  يبتغيها نهاية حزيران الجاري . ولم يحاولوا  منع الروسيا من تزويده ببراميلها  والأسلحة التي سَوَّقتها وباعتها وستقبض ثمنها من سوريا بقي نظامها او باد.

إن قتل الألف شهريا لم يكن إلا من لزوم ما لا يلزم. كان ولا يزال بالإمكان تفادي وقوعكل ذلك إذا، والإذا كبيرة علينا ، عادية لهم مارسوها في حروبهم الكثيرة التي خاضوها بجيوش جرارة ويخوضونها الآن بجيوش غيرهم فلا يتضررون بالمباشر إنما  يدفع الثمن أهل دول البلاد التي نعيش فيصبح سكانها مهجّرون، جائعون ، مرضى ومقتولون بأعداد، إحصاؤهم صعب ، لأن الأعداد تشمل الجميع، جميع من عاش أو يعيش فيها،  بملايينهم في العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان وغيرها، وهم أي قاتلوا الألف شهريا ، على ارائكهم جالسون يَعُدون الأموال التي تجنيها مصانعهم وما هم يجنون. ولانعرف ما هم يجنون. نعرف فقط ما يجني وكلاءهم وموظفي أعمالهم في إدارة شؤوننا ، القائدون عندنا، منفِّذوا المخططات ، من مال يودعونه في مصارف الغرب المأمونة وجاهٌ يكتسبونه.

إيران وحزب الله وبشار الأسد لا يحاربون الدولة الإسلامية. يساعدونها، يرعوا شؤونها لأنها تعطيهم من الأعذار ما يكفيهم ليتمددوا هم أيضا حيث يشاؤون. وتمدّدوا وحكموا وقتلوا وهجّروا بأكثر من أرقام إحصائية يتبجحون بها ، الف قتيل يتكرر مرارا في كل دسكرة وقطاع ومساحة جعلوها الآن ساحات حرب فيها كَرٌّ وَفَرّ وقتل وهدم وتهجير تتوافق وأهداف المبادرين في الحرب.

ما دور الحلف الدولي الذي يقوده رئيس  متردد بلا رؤيا ولا هدف إلاّ الحصول على الجائزة الكبرى من النووي. يعطيهم المال المحجوز، يعطيهم ما إستطاع من النفوذ في بلاد العرب، يُسهِّل التطويع من الأفغان والباكستان والعراق ليحاربوا في سوريا كي لا يخسر نفوذه هناك. يقوم بكل ما يطلبون ويَلزَمُهم للإنتشار حيث يشاؤون، هكذا وبدون حدود.

الأميركا التي كانت مثلا أعلى للعالم ، نجح أوباما َ بجرها إلى حضيض لا تستحقه ولا ترضاه ولا نرضاه نحن لأن فيه ضرر لنا ولمستقبل بلادنا  وتشويها لتاريخنا العربي والإسلامي على حدٍّ سواء.

سمعت بالأمس بابا روما يقول في معرض زيارته لسارايفوا حاملا رسالة سلام، قال: إن الحروب المتفرقة تكاد تكون هي الحرب العالمية الثالثة ، وأجتزيء كي أضيف ما أوحى به في كلمته " تجار السلاح لا بد وأنهم يشجعوها". وليس في العادة أن يقول البابا ما لا يعنيه.

ألم يحن الزمن والوقت ، وهل سيأتي يوم لنتذكر فيه نورمبرغ ومحاكمها وأحكامها . تناولت المحاكمات بشكل عام مجرمي الحرب الذين ارتكبوا فظائع بحق الإنسانية واختصروها بالألمان ممن حكموا في الحرب وساهموا فيها. المشكل الآن أن الذين إرتكبوا "فظائع بحق الإنسانية" ينتمون إلى جنسيات كثيرة وفيها رؤساء وعسكريين وطائفيين ومنهم رجال دين يصعب جلبهم إلى المحاكم.

حروبنا متعددة الأوجه ومجرموها من كل الطبقات ولبعضهم قوى لا تُنازع ونفوذ يصعب التغُّلب عليه ولنا في محاكم هذه الأيام وأحكامها ما لا يَسُرُّ القلب.

والأيام بيننا والزمن لا يُسعِف ويدعم ما هو غير طبيعي  مُتَصَنَّعٌ ومُتَكَلَّفٌ
أركان 7/6/2015








السبت، 6 يونيو 2015

مجلس الأمن غاضِبٌ


مجلس الأمن غاضِبٌ

ندَّد مجلس الأمن في بيان صحافي " باستخدام القوات السورية البراميل المتفجرة وغيرها من الأسلحة العشوائية! في سياق الحرب التي تشهدها سوريا منذ أكثر من أربع سنوات معبرين عن غضبهم أيضا من كل الهجمات على المدنيين". هذا الخبر قرأته صباح اليوم في جريدة النهار اللبنانية.

يذكرني هذا الخبر بما كان للعشائر في صحارى العرب ، عندما يغضبون، من غزوٍ أو حرب ، بعضها دام لعقود لأسباب أقلُّ بكثير مما أثار غضب المجلس. ولن أدخل في دروس العزة والكرامة وإجارة المظلوم دون تفكير في ثمن التدخُّل والمساعدة. ولن أدخل في أمثال الإجارة ومنها وقعة ذي قار حيث لبّت العشائر المختلفة والمتحاربة عشيرة صغيرة من بني شيبان وأجارتها ، وعلى رأسها الشيخ هاني بن مسعود الشيباني. دخلت حربا بلا أُفق ضد ملك الزمان كسرى أبرويز الذي غضب على المنذر ملك الحيرة  وقتله ، ربحت العشائر والقبائل حربا هي الأولى التي ربحها العرب ضد الفرس. ربحت لأنها نَوَت وقررت وأقدمت بإيمان مُجيرين المظلوم الأول الذي كانت ذي قار نهاية ظلمه.

وآخذ من الأمثال واحدا منها. أغنى شابٌ في العقد الثاني من عمره،  سيِّدٌ في الأدب بتعابيره وشعره بالعناصر الملحمية والحماسة والعزة يحِل الخلاف بين قبيلتي بكر وتغلب، قال ما قال في مجلس وحضرَة ملك الحيرة عمرو بن هند ، مثيرا غضبه ولم يَخَف. أليس هذا سببا في مقارنة لمجلس ومجلس، مجلس عشائري ومجلس الأمن الضامّ تحت عبائته دول العالم الكبرى، كلها ودون إستثناء.

أعضاء مجلس الأمن الكبار لهم مصالح، في سبيلها لا دم ولا هدم ولا تهجير ولا خلق ولا ضمير ولا حقوق الإنسان يتبجحون بها تردعهم. بشار الأسد لا تزال روسيا تزوده بالبراميل المتفجرة والأسلحة "العشوائية" وأميركا ترفض محاربة الأسد وهو يرفض محاربة داعش، والحشد الشعبي في العراق يقود حربا ضد السنة وأميركا لا تعترض وداعش تجد بيئة حاضنة هناك. الحلف الدولي ( 20، 40 ، 60 دولة؟لا نعرف) يضرب من الجو ويقتل بعضهم ولما لا ما دام "الحمار ماشي" والضمير مُغَيَّب وأميركا تتابع سياستها ، إذا كان لها سياسة ، بِغَضّ النظر عن الأثمان التي تدفعها داعش وغيرها من الأدوات المفيدة لها حاليا وللسياسة التي تنتجهها.

وأجِد في معلقة الشاب عمرو بن كلثوم،  سيد قومه الممتليء عزّة ونَخوة والذي ذكرنا صفاته في معرض مقارباتنا للمجالس العشائرية والأممية، وأختار بعضا مما قال:

أَلاَ لاَ يَجْهَلَـنَّ أَحَـدٌ عَلَيْنَـا... فَنَجْهَـلَ فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلِيْنَـا
بِاَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرُو بْنَ هِنْـدٍ... نَكُـوْنُ لِقَيْلِكُـمْ فِيْهَا قَطِيْنَـا
بِأَيِّ مَشِيْئَـةٍ عَمْـرَو بْنَ هِنْـدٍ... تُطِيْـعُ بِنَا الوُشَـاةَ وَتَزْدَرِيْنَـا
تَهَـدَّدُنَـا وَتُوْعِـدُنَا رُوَيْـداً... مَتَـى كُـنَّا لأُمِّـكَ مَقْتَوِيْنَـا
فَإِنَّ قَنَاتَنَـا يَا عَمْـرُو أَعْيَـتْ... عَلى الأَعْـدَاءِ قَبَلَكَ أَنْ تَلِيْنَـا
أَبَا هِنْـدٍ فَلاَ تَعْجَـلْ عَلَيْنَـا... وَأَنْظِـرْنَا نُخَبِّـرْكَ اليَقِيْنَــا
بِأَنَّا نُـوْرِدُ الـرَّايَاتِ بِيْضـاً... وَنُصْـدِرُهُنَّ حُمْراً قَدْ رُوِيْنَـا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً... وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْ

ليت للقابعين في مجلس الأمن وأمينهم العام قدرة على قول بعض الشعر لإعلان غضبهم، على الأقل ليظهر "الغضب" بشكل مقبول.

سنان 6/6/2015

الجمعة، 5 يونيو 2015

معنى الشهادة

معنى الشهادة

الأيام تَمُرّ والأسابيع والشهور والسنون تمُر والمستبدين والطامحين والأشرار والفاسدين بأنواعهم وعقائدهم ومذاهبهم وما قتلوا وأذلُّوا وهجَّروا وسَبوا  لا يمَلٌّون ولا يتعبون ولا ينوون أن "يأخذوا نفسا" فيستريحوا ويريحوا غيرهم ولو للحظة.

هم في العهر سواء مع من يدعمهم. ومن يدعمهم ليس بالضرورة مثلهم فهو أسوأ لأنه  يعمل بعقل وتخطيط، ويستغِل جهلهم وانسياق قادتهم  وراء من يدعمهم فيدينون  له لا فرق إن أسميناه عِمَّامة في إيران أو  رأس مكشوف في الغرب. المال يلعب في القيادات ويوجههم  و"المجاهدون في سبيل الله" والمؤمنون بقداسة زعمائهم ، يقاتلون ولا يبغون أقل من الجنة مصيرا لهم لما في الجنة من مغريات حِسِّية. الحواري والغلمان المُرد والشراب والبساتين التي تجري من تحتها أنهار،  ليست إلا مقدمة للائحة طويلة تقدمها الجنة لهم.

تُمنع مثل هذه اللذات عنهم في الأرض فيطمحون لنيلها حيث تباح، وهل خير من الجنة ليشفي كلٌّ غليله ويغرف من اللذات ما طاب ويلعق منها حتى الثمالة  دون خوف من حسيب أو رقيب أو رجل دين يضع عليه حَدٌّا ما . الدين لا يبيحها هناك فقط،  بل يجعل منها هدف يرتجى وثمنه في هذه الأيام أن تموت "شهيدا". والشهادة يقررها سيد الحرب وقائدها ، من كان. والحروب لها تاريخ طويل وقادة مختلفون ، بعضهم جيدون وبعضهم مرتزقة أو مغامرون. النبي العربي الكريم كان قائدا مشى الناس وراءه إيمانا به وبما يقوم به وحق لهم ذلك وكانت تبعيتهم له نقية طاهرة ومن مات منهم في سبيل الله كان شهيدا. 

وجاء  هولاكو وكان قائدا مرموقا ذو رؤية وطموح ، وغزا ، ولم تكن غزواته تتعدى طموحه لحكم شعوب لا تعرفه ولا هو يعرفهم. مات في سبيل غزواته الألاف من قومه ومن العرب، وسرق ونهب وأحرق المكتبات ودور العبادة وسبى النساء والأطفال. من مات في سبيل طموحه ليس شهيدا بل مات فقيدا وربما ذليلا لا غير. و"ما الشهادة إلا االموت في سبيل الله وإلا  بذل النفس في نصرة الحق وبذل المهجة في حفظ الدين ".

قال سبحانه وتعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ1

وهل أصدق من هذه الأقوال في الشهادة وشروطها؟ الموت في أي معركة نشهدها هذه الأيام لا تمنح من مات صفة الشهادة. ومن يزُج الشباب في معاركه لن تكون الجنة مصيره. نكتب ولسنا من أصحاب الإختصاص في معنى الشهادة وما يدور حولها من تفسيرات واجتهادات ولكننا نكتب بثقة لأن من يمنح المقاتل هذه الأيام الشهادة ليس مرجعا دينيا فهناك ما يزيد على السبعين منظمة إسلامية تنغمس في قتال ما، تتقاتل فيما بينها وتقاتل آخرين يقفون بطريق تمددها ، وكل هذه المنظمات تعتبر قتلاها شهداء.

نبدأ بالقاعدة وفلذات أكبادها النصرة وداعش ونعرف من تقاتل ومن تقتل ونمر بأنصار الإسلام، وحزب التحرير، وأنصار الشريعة، وأحرار الشام، وحركة الشباب المجاهدين، وأنصار الله الحوثيون، وجند الخلافة، ومنظمة بدر ، ثم حزب الله، وصولا إلى بوكو حرام المندمجة حديثا بالدولة الإسلامية. نسوق هذه الأسماء فقط للدلالة على أن أكثرها علاقته بالدين لا تؤهله للفظ كلمة "شهيد" فكم بالحري منح الصفة لمقاتل لا نعرف نواياه ،ومعرفتهم بمعنى "الشهادة" ضحل لا يجوز قبوله.

وأبلغ ما في ما نقول أن تتقاتل منظمتان إسلاميتان ويموت للطرفين مقاتلين ويعلن كل فريق أن قتلاه شهداء. أفواج تتقاتل في سوريا دفاعا عن "رئيس" نقاء سيرته حمّال أوجه أو حربا عليه ، و"الشهداء" يتساقطون من الطرفين.  أليس في هذا الواقع اليومي والمستمر ما يثير دهشة من يتساءل. ألم يحن الوقت لمعالجة هذا الموضوع البالغ الحساسية ؟ أهو واجب الأئمة وأصحاب السماحة وآيات الله إيجاد حل يضع الأمور في نصابها؟ أم تترك الألقاب تُمنح بالسياسة لا بالدين؟

أبو جوهر الأصبهاني 5/6/2015


الأربعاء، 3 يونيو 2015

أقليات ورؤى


أقليات ورؤى


السموأل بن غريض بن عادياء بن الحارث الأزدي يهودي عربي، ذو بيان وبلاغة، كان واحدا من أكثر الشعراء  شهرة وكان من سكان خيبر التي تقع  إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة وكان يتنقل بينها وبين الأبلق الفرد ، حصن له  في تيماء. عاش في القرن السادس الميلادي وتوفي سنة 560م. كان وفيا صادقا وقصته مع إمرىء القيس لا تترك مجالا للشك في وفائه لوعده
قال:؟
وما قلَّ من كانت بقاياه مثلنا      شباب تسامى للعلى وكهول
تُعَيِّرُنا  أنّا  قليل  عديدنا             فقلت لها  إن  الكرام  قليل

نسوق هذا الكلام لنقول أن البشر العرب وحتى قبل الإسلام بقرن من الزمن كانت لهم ذمة واحتراما للذات ووفاءا للوعد وإيمانا بما فرضه عليهم دينهم فتصرفوا بعنفوان وضَحُّوا ليعيشوا إيمانهم وكبرياء معتقداتهم ولم يتوانوا فضَحُّوا بفلذات الأكباد لتبقى لهم صدقية واحتراما بين الناس تريحهم وتريح الجميع عناء التخفي عمّا يضمرون تلافيا للوقوع في شرك شرير ما

هذه الصفات غريبة في هذه الأيام ، يوم يُذبح الرجل أو يحرق لمعتقده ويًهَجّر وتسبى عياله و يُستوطى حيطه لأنه ينتمي إلى دين أو مذهب يغاير دين قاتله أو مذهبه،  والمعتدون هم من مذاهب عِدَّة.  المذاهب متنوعة وأساليب القتل والإذلال نفسها. أكثر المعتدين علتهم عدم فهم دينهم.  يُصًوَّر لهم بشكل يتماهى وأهداف من يُفًسِّره ويسهُل على البسيط الواثق من معلمه وسيده والنيات عمليات القتل فيذبح طلبا في إرضاء الله والوصول إلى الجنة التي لم تتغير رؤياها، مياه وأشجار وحواري تماما كتفاسير الحشاشين وشيوخهم

  شيخ الجبل حسن الصباح ، الشيعي، منشيء جماعة الحشاشين ومؤسسها في بلاد فارس  والتي أصبحت دولة ودامت  لما يزيد عن القرنين ، وخلفاؤه،  كانت شعاراتهم  دين ومتعة واغتيالات وشهادة في سبيل الله. كان خلاّقا ومبدعا في تحقيق أهدافه وإنجاح أعماله . بنى قلعة سمّاها " قلعة آلموت"  وتعني بالفارسية "قلعة النسر". عاش متواريا فيها، وزودها بجنة دنيوية فيها كل ما لذ وطاب من حواري وأطعمة وشراب.  كان يعدُ ويوفي لمن تتلمذ على يديه أو تعلم في مدارسه وأن  طاعته لرؤسائه تدخله الجنة. ولم تكن الجنة عندهم فكرة فقط بل كانت واقعا ، فالقلعة تقدِّم عينة مما تقدمه الجنة .  طوّع النصوص الدينية واستخدم الآيات القرآنية لإضفاء القداسة على أعماله وأهدافه

أما ما كانوا يُدرِّسون ففنون المكر والخداع والشعوذه وكذلك فنون الاغتيال بالخنجر والسكين  وفنون القتل بالسم
يناولوهم  من حشيشة الكيف المخدر جرعات كبيرة وينقلوهم الى حديقة في القلعة وعندما يفيقون يشاهدون ما لم يشاهدونه في حياتهم وما لم يخطر على بالهم وتقوم الفتيات الجميلات والغلمان المرد بخدمتهم ويتمتعون بهذا النعيم ويقول لهم مُعلموهم ان هذه هي جنة الخلد وهذه الانهار من خمر ولبن وعسل وماء وهذه الحور العيون وهؤلاء الغلمان المرد هم لكم في الآخرة

الأساليب تتكرر اليوم مع فارق يُسَهِّل على "شيوخ الجبال"نشر عقائدهم والزينة التي تحيط بها مما لم يكن متوفرا لحسن الصباح وأمثاله، فهم "أخذوا وقتهم" في التهيئة والتبشير واليوم تقوم "داعش" وتنتشر بإعلام ناشط ، تستقدم الأزلام من كل فجٍّ عميق مقابل المال بدل القنب الهندي، وفي سنة واحدة تصبح من القوة بحيث تنشئ دول العالم الأحلاف لمحاربتها ولا تنجح

والفرق الشيعية لا تختلف عن السنية منها وتقوم بما تقوم به من أعمال ليس اقلها القتل وإحراق الأشخاص، والجميع "يستوطي حيطان" الأقليات ويبدأ غزواته بها. الأقليات المزعومة عربية أو ضاربة في جذور الأرض التي هي اليوم عربية . الأقليات هي التي أقامت للعرب ثقافة وعلما وتاريخا وحتى هيأت لها  ظروف إنتشار دين أكثريتها وكانت هي  تُقِرُّ بذلك إلى أن أتت موجة شطط وحقد وجهل وتزَمُّت وتعَصُّب أعانتها على صعودها المفاجيء ، أموال إشترت الضمائر واستزلم لها من الرجال من  كانوا رجالا  وسربلتها منافع شخصية ، مذهبية، إقليمية أو حتى دولية لا يعلم أحد معناها أو مداها وإلى أين تأخذنا في شططها وعشوائية القرارات المتبدلة المترددة فيها والواعية فقط لما تظن أنه يناسبها

لن يحل المشكلة التي نعيش إلا زلزال فكري وصحوة جماعية وضمائر تستيقظ وإن تعذَّر فزلزال أرضي يطيح بهم ولا بأس إن شملنا علّ أن يكون فيه درسا للأجيال التي تأتي بعدنا؛  زلزال مدينتي سدوم وعمورة أخرى وخطايانا لا تقاس بهما ولا تقل عن خطاياهما. هل يتكرر؟


أركان 3/6/2015