Powered By Blogger

الأحد، 7 سبتمبر 2014

الى الوراء ـــ سِر


الى الوراء ـــ سِر


لَم يَبْقَ شَىء مِن الدُّنْيا بأَيْدِينا...... إلاّ بَقِيّة دَمْعٍ في مآقِينَا
كنّا قِلادَة جِيدِ الدَّهْرِ فانفَرَطَتْ..... وفي يَمينِ العُلا كنّا رَياحِينا
كانت مَنازِلُنا في العِزِّ شامِخة ..... لا تُشْرِقُ الشَّمسُ إلاّ في مَغانينا
فلَم نَزَلْ وصُرُوفُ الدَّهرِ تَرْمُقُنا ...... شَزْراً وتَخدَعُنا الدّنيا وتُلْهينا
حتى غَدَوْنا ولا جاهٌ ولا نَشَبٌ ....... ولا صديقٌ ولا خِلٌّ يُواسِينا

قال حافظ إبراهيم ما قال قبل قرن ونيِّف، قالها في مصر أيام كانت مصر أم دنيا العرب، يوم كان العرب، كل العرب، يرزحون تحت نير الإستعمار العثماني ثم الغربي البريطاني والفرنسي وبقوا كلهم كذلك إلى ما قبل خمسين سنة أو يزيد. العرب إذن كانوا مُلحقين بمن حكمهم وكانوا كالغنم لهم راعٍ يسوقهم إلى حيث يرعون ويقودهم راجعين إلى حظائرهم حيث ينامون. لا عجب في ذلك ولا عجب في أن يقول حافظ إبراهيم مُحَفزا من كان يخاطب كي يُلهِم بعضهم بالتحرُّك نحو حريّة لم تكن لهم على البال ولا الخاطر. لم يكونوا يعرفونها لأن عبوديّتهم طالت ورسخت في نفوسهم وأصبحت جزءاً من ثقافتهم. نتجنّى على استعمال  كلمة "ثقافة" بسلبية إقتضاها الواقع

والآن وبعد ما تغيّرت الدنيا وتغيّرنا وواكبنا أخبار الدنيا واقتبسنا منها ما أعجبنا وغَيّرنا ثيابنا وأبدلنا الدابّة بالسيارة وتفنّنا فيما إقتنينا من أثاثٍ ومساكن وأدوات وبعد أن تدفّق علينا مال النفط نصرفه كما نشاء ، نخصِص منه القليل للوطن والناس ونُبَذِّر أكثره على ما نشتهي. وما نشتهي كثير لا يُعَدُ منه ما يُنفق بأمر الراعي الذي لم يخرج من هنا. الراعي ربما بدّل العباءة فلبس لهذه الأمّة لبوسا يناسبها كي يُسجِل لمن يريد أن يسأل بأنّه ليس هنا

وهكذا تغَيّر شكل الراعي ولم يتركنا لأنه لن يتركُنا لعواهنها فهو حاضرٌ ناضر لمساعدتنا لمجابهة ما يجِدّ من أمورٍ ، أمورٌ مجابهتها تفوق القدرات المتوافرة لدينا. والزمان يمضي ولم يتوقف فكان لنا مُنَظِّرون ومفكرون ومعلمون وجامعات وأساتذة وحتى كان لنا مجاهدون أخلصوا بجهادهم وماتوا ومات معهم ما ضحُّوا لإجله. بالفعل ما نقول حَدَثَ. ولا يزال ما يحدُث اليوم ويُمَوِله رعاتنا بمالنا وعرق جبيننا  مفيد للرعاة ولا نَدّعي بأننا نعرف كيف هو مفيد لنا

ونرجع إلى شاعرنا لنستلهم من قصيدته أن تقَدُمنا على مدار قرنٍ ونَيِّف لم يترك لنا " لا جاهٌ ولا نَشَبٌ ولا صديقٌ ولا خِلٌّ يُواسِينا". نعارض فنقول أن هذا كلُه ترك لنا بقايا فلسطين جريحة بعد أن ثبّت ملكية اليهود على ثلاثة أرباعها وهو لا يمانع إن توسّعت قليلاً  قليلاً لتترك لأهل فلسطين لا شيء. وترك لنا طغمة من الإستبداديين عاشوا ملوكاً مطلقي اليد في البلاد والعباد وسرقوا ونهبوا واستثمروا في بلاد رعاتنا ما وَفَّره لهم حكمهم المدعوم ممن في يده العصا، اليس للراعي عصا؟ موسى النبي قال: "عصاً أتكيء عليها وأهُشُ بها على غنمي" وموسى له أتباع يحملون العصا. وللرعاة عين ثاقبة ومعرفة دقيقة بمفاعيل ما يجري وهي حريصة على المجابهة طبعاً خدمة لمن ترعى أو من يحُلُّ محلهم.
طار صدّام فجاؤوا بصدّام ضعيف ولما لم يعد يفي بالحاجات جاؤوا له بالمتطرفين الإسلاميين. بديل صدام السني صدام شيعي فكان المتطرفون الذين اتوا سُنّةً إرهابيون. الجيش خسر معاركه الأولى ضدهم  هناك في الموصل بساعات؛ هرب الجيش تاركاً أسلحته للمنتصر. داعش كانت ربما بديل بديل صدام، من يدري؟ وكان ما كان من مآسي مسيحية وتركمانية وأزيدية وشيعية،  وانقسم البلد وهو على شفير مأساة أخرى أقلُّها التقسيم على الأسس المذهبية. وثمة ربحٌ يحققه الراعي وقد يكون تغيير مسرى مال النفط وربما أيضا إستعماله في أية مفاوضات تتعلق بإنتاجه وتسعيره وكيف يُدار

وسوريا المثل اللا مثيل له. ماذا حدث؟ كلنا نتعجب لماذا إستطاع واستمر النظام يحارب أبناء الوطن بدعمٍ واضحٍ وشفّاف من الدولة الإسلامية في إيران والروسيا وزبانيتهما القادرين على حمل السلاح والمؤمنين والممولين من هذه الجهات وغضُّ نظر أيضاً واضح وشفاف من أميركا خصوصاً وأوروبا إجمالاً وكأن الحرب في سوريا غير موجودة. ملايين المهجرين ومئات آلاف القتلى والمصابين وعشرات االمساجين الذين هم قيد الأسر والتعذيب. ظهرت داعش واُطلق لها العنان فعاثت في البلاد خرابا وأدخلت الرعب في القلوب في سوريا كما العراق. البلد لم يعد بلداً ولا يمكن أن يستعيد العافية في المستقبل المنظور بغض النظر عن أي جهد يُبذل

أما باقي البلدان العربية فليست في وضع أحسن ولا هي بعيدة عن المخاطر التي تطل برأسها في كل وقت على كل بلد ولا نستبعد بلدان الخليج العربي واليمن، ووضع الأخيرة لا يختلف عن وضع سوريا أو العراق ولا نرى من أيٍ من الرعاة والعصي التي يحملونها. حافظ إبراهيم وصفنا بلاداً وبشراً منذ قرنٍ من الزمن فهل كانت رؤياه ثاقبة أم أننا  أعطينا ملكاً فلم نحسن سياسته فحصل ما حصل؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق