Powered By Blogger

الاثنين، 8 سبتمبر 2014

عصر الانحطاط الثاني

عصر الانحطاط الثاني

الإنسان العربي اليوم كما دوَله وسائر جماعاته عصي على الوصف إذ أنه مع تحَسُّسِه للمخاطر التي يعيش الخوف المهدد له ولكيانه لا يعرفُ من أي جهة تأتيه المصائب ولا يعرفُ ما تعني له ولعائلته والجِيرة والوطن هذه المخاوف. يشُّك في صحَّتها  وبصَدِقها يريد أن يعيش ويبقى حيث جذوره ثم يلتفت إلى محيطه ويرى ويسمع الأبشع من الروايات ويعاوده الخوف من المصير ويضيع ويعيش ضياعه ولا من سائل عن هواجسه يطمئنه أو يحُثُه على مجابهة ما لا قدرة له على مواجهته، بالرحيل أو الهجرة أو رفع اليد وقبول ما هو آتٍ. وإلاّ فالضياع  يعود سيداً للموقف.

داعش أحد أسباب الضياع ولكنها حقيقة ماثلة أمامنا  لا تملك عقلا ولا تفكيرا ولا حتى أسلوبا لما تقوم به. إنها تملك فقط وحشية قل مثيلها في تاريخنا. ولكن وفي ظروف إنحطاط الأمة قرأنا عن مثيلاتها. وهذا ليس بغريب إذ أن تاريخنا مليء بالأحداث المماثلة.

ايران حرَّكت الحالة الشيعية في اليمن كما حركتها في العراق ولبنان،  وكان ما كان من انتفاضة الحوثيين وتخوُف السعودية وازدياد القلق والتزمت اللتين طبعتا تدَخُلها في أماكن أخرى وهي تحاول بعث روح الثورة عند الشيعة في البحرين والمملكة العربية السعودية. وهذا سبب آخر للضياع عندنا.

والتجمعات العشائرية وبعدها القبلية التي طبعت تاريخنا أدّت من أدوارها دور الجامع للعائلة ومن ثم العائلة التي توسعت وكبر شأنها واستلزمت قيادة تقيها شرور الروعنة والعنجهية وأعمال الجهالة وأصبح بعض مشايخها ملوكاً حكموا وقادوا، بعضهم بمفاهيم الأمس كان عادلاً  وآخرون أصابهم داعش ما، فتجَبَّروا وعاثوا في الأرض فساداً. لا بأس، فهذا من منطق التاريخ.  لكن الشعوب العربية فشِلت في مسعاها للعبور من حالة التجمُعات العشائرية والقبلية وبعد ذلك التجمعات الطائفية الى حالةالدولة الوطنية المبنِيّة على اساس المواطَنة لا الدين ولا القربى.

داعش لما حلّت في ضيافتنا أخافتنا وأخافت آخرين شرقاً وغرباً. وعاش من خاف أكان في الشرق أو الغرب مخاوفه من هذا المستجِدّ وضاعوا كما ضعنا أو تركوا داعش قصداً لتحقق لهم بعض مطامعهم ولم يدُر بذهنهم أبداً والذي إتَّصف بالبلادة أنهم هم أيضاً يواجهون من المخاطر ما لم يكم في الحسبان. وتحرك قائدهم لما صار ذَقْنُهم في الدقّ ليقرر ضرب داعش بطائراته في العراق. السؤال المطروح منذ تحَرَّك أوباما لماذا العراق وليس حيث داعش أقوى وأكثر عددا وعتاداً؟  هل يرسم الطيران الأميركي اليوم حدود الدولة الإسلامية داعش فيتركها في سوريا إرضاءاً للروسيا وربما إيران ليسهُل التفاوض معها على ما يهُمُها؟

نعود إلى الماضي، ماضي التفكك وعصر الإنحطاط لنقارن اليوم بالأمس.

الواقع السياسي للعالم الإسلامي يكشف عن تفكك الكيان الموحد في عصور الانحطاط، وتجزئة بلاد العرب والإسلام إلى دولٍ وإقطاعات متنوعة عربية وإيرانية وتركية وهندية وبربرية وأفريقية، مما أحدث شرخا كبيرا في الوحدة التي أريد لها أن تندمج ضمن المعطى الديني الواحد.

وقد نشأت هذه الدول في أطراف العالم الإسلامي مثل الدولة السامانيتية، والدولة الغزنوية، والدولة الغورية، والدولة الخوارزمية، والدولة السلجوقية، والدولة المدرارية، والدولة الرستمية، والدولة الأغلبية، والدولة الفاطمية، والدولة الصنهاجية، ودولة المرابطين، والخلافة الأموية في الأندلس التي انتهت إثر الفتنة الكبرى في عهد هشام الثاني المؤيد بالله، وقامت دولة مستقلة عرفت بدولة الطوائف، والدولة الصفوية التي تحول فيها الثِقَل المذهبي مع الصَفَويين من السُنة إلى الشيعة، وتزامن وجود هذه الدولة مع وجود الإمبراطورية العثمانية وخاضت معها صراعا طويلا، ثم كانت هي نواة الدولة الإيرانية الحديثة.

يلاحظ في عصر الانحطاط طقوس تعظيم الأولياء عبر الكرامات والرؤى وممارستها والإقبال عليها والاعتقاد في قدراتهم الخاصة والعامة، تفصح عن حياة المجتمع والظاهر في تشعب الوظائف الاجتماعية للولاية. إن النظر في إسلام عصور الانحطاط وقد أبان عن انقطاع في كل مجالات المعرفة، وغياب الأطر الاجتماعية الحاضنة للإبداع الفكري، وعن استشراء الانحرافات والبدع والعقلية الخرافية وبانقطاع السند العلمي وتغلغل سلطة الأولياء في الأوساط الشعبية.

إن الانحطاط الذي دشّنه تشظي الإسلام السياسي هو نتاج معطيات تكاثفت على مر فترات متعددة، ومن هنا يجب النظر إلى  الخريطة السياسية للعالم الإسلامي بعد القرن السابع الهجري تاريخ انهيار الخلافة العباسية التام.

فقد شهد القرن الثاني مع الأدارسة في المغرب والأغالبة في أفريقية، بداية تفكك الإمبراطورية الإسلامية التي كانت منضوية تحت حكم خلافة موحدة وأفرَز هذا الوضع الجديد تغيُرات كبيرة سواء على الصعيد السياسي أو الجغرافي لينفرط عقد كيان سياسي وديني.

وإذ نفتخر اليوم  ونتغنى بماضينا المشرق ،ماضينا الذي أُتهم بالزندقة والكفر والإلحاد، ماضينا الذي استهزئ به ، وقُتل وسُحل، وعذِّب ونُكِل به، بمكتباته التي أُحرقت، في وقت استفادت منها أوروبا، بعلم الفلك،  بالأدب، وعلم الاجتماع،  بالفلسفة والطب، بابن رشد، وابن سيناء، والكندي والفارابي وعمرالخيام، الجاحظ، ابن الفارض، المعري ، الحلاج، الرازي، ابن الرواندي، الغزالي، التوحيدي وابن خلدون وغيرهم من علماء وفلاسفة العرب والمسلمين، هذه العقول كُفِّرَت، وقُتل من أصحابها من قُتل، مُّثِّل بجثثهم، قُطعت وأُحرقت أوصالهم،أُحرقت كتبهم ،صُلبوا، أنهم ماضينا الذي نفتخر به، والمكَفِّرين ماضينا،  وهم حاضرنا  الذي نخجل منه.

مقارنة بماضينا، الماضي السيّء نحن نسير بوعي أو جهل على خطى من ساهم في إنحطاطه ودولنا ومجتمعاتنا مفَكّكَة كما كانت في تلك المرحلة واللاعبون همُ هُمُ أصحاب مصالح لهم رُعاتهم تماماً كما حدث للسلف في عصر الإنحطاط.

هم يكرهون التفكير، ويكرهون حتى الحوار ، لايمكنهم مناقشة الحجة بالحجة لأنه لا يحق أصلاً للآخرين مناقشتهم  وبالنسبة لهم القتل أسهل من الحوار و كل من يفكر أو يحاور منبوذ ممقوت، وزنديق.   يظهرون  وكأن الله ينتظر منهم مذبحة ودماء ليرضى عنهم . وكما اكتوى فلاسفة وعلماء العرب في الماضي بسياط التكفير لايزال مسلسل التكفير مستمر حتى يومنا هذا وكثير من المفكرين يُكفّرون وتُهدر دماؤهم ويُقتلون فالدين الذي بإسمه قُتل وسُحل ولوحق مفكروا وفلاسفة  الماضي، بإسمه وفي حاضرنا يُقتل المفكرون والأدباء وعامة الناس، لا فرق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق