Powered By Blogger

الأربعاء، 3 سبتمبر 2014

الفساد في أمثال

الفساد في أمثال

الفساد السياسي في بلادنا كان حكراّ على القادة أي الحكام قادةً كانوا أو مُلحقون لأسياد إختاروهم وهم مشوا نِعاجاّ لهم ومتسلّطين على الناس ما دام التسلّط متاحاً. هذا الفساد تمدّدَ أفقياً ليشمل كل ما يمكن أن يشمل توسيعاً لمصادر المكاسب من الفساد وهم أعلم الناس بما يُنتِج وبدرسون ويوسعون مساحاتِه ما أمكن.

أخّذ الفساد أشكالا مختلفة أكثرها نوعيتُه معروفة وترتكز على الربح المادي أو الإستئثار بنفوذ ما وكلا النوعين ضررهما ينحصر في أمرين أوّلهما وأهمهما هو تطبيع إنسان ما، ربما كان مميزاً،  وجعله رهينة لأطماعه فينسى ما كان عليه ويقبل طائعاً مختاراً أن ينحدر إلى مستوى متدنّي هو أقلُ من إمكاناته وطموحاته التي إختار أن يتركها. بهذا نكون خسرنا من مجتمعنا  الأداة الفُضلى ، أي الإنسان ، الذي ربما كان ،لو لم ينغمس في أوحال الفساد،  أداة تطوير مجتمعي إيجابي .

وللفساد وجه آخر يصيب المجتمع وحاكميه بما هو أبشع وأوسع، تأثيره ينال من الوطن ككل في حرياته السياسية خصوصا والأجتماعية عموما ويبدأ بتطويع الحكام فيرضوا، ولا نعرف لماذا هذا الرضى، بأن يكونوا لمُطَوّعيهم شركاء يمنعون عن الوطن ما يحتاجه حتى لحفظ كرامته. والحرية الممنوعة واسعة المدى والمفاهيم. مثال على واحد منها: أن يشتري الحاكم من بلد ما سلاحاً ويكون للبائع حق منعه من إستعماله عند الحاجة إلاّ إذا كان الإستعمال يفي بأغراض البائع والمشتري.

عندما بدأت الثورة السورية كان بِوّد المملكة العربية السعودية تمويل الثورة ودعمها بالسلاح الموجود في مستودعاتها لتجد، أو ربما كانت على علم، بأن السلاح ممنوع على الثورة خوفاً من أن يقع  في أيدٍي غير أمينة تستخدمه لأغراض أخرى وربما ضد إسرائيل. وضعُفت الثورة جرّاء ذلك ليحُلُ محلَها الإسلام المتطرف الإرهابي والذي أصبح فيما بعد يعرف بالنُصرة وزميلتها داعش أو ألدولة ألإسلامية وأخريات من التنظيمات التي نشأت تملاء فراغاً إستحدثه التلكوء ومن ثم ضعف الثورة، ثورة الشعب على النظام. . هكذا ولدت داعش وإن غاب عن بالنا أن نظام الأسد هو الذي زوّد داعش بالرجال الذين كانوا في سجونه وعفى عنهم بيوم مشؤوم وأطلقهم و"كَمِلَ النُقْلُ بالزَعرور"، على رأي المثل الدارج عندنا.

من منع ألمملكة من تقديم السلاح؟ المُشتري طلب والبائع منع، والبائع قد يكون أميركا أو فرنسا أو غيرها لا فرق. من يبيع يتقيّد بما تفرضه الولايات المتحدة الأميريكية، صدِق أو لا تُصَدِق هذا هو الواقع.

المملكة تبرعّت للبنان بثلاثة مليارات من الدولارات لشراء أسلحة يدافع فيها عن سيادته وتمّت الصفقة مع فرنسا. مع مرور الوقت وإستغراب الجميع لتأخُر وصول السلاح أو على الأقَل معرفة أسباب ذلك تبيّن ونشرت وسائل إعلام متعدّدة أن سبب التأخير مباحثات تجري بين فرنسا وأمريكا لتوافق الأخيرة  على تزويد لبنان بنوعية السلاح المسموح تسليمه. فضيحة كانت وإن حاولت الدول المعنية نفي ذلك وهي لم تتمكن من النفي الجازم مما أحرج المملكة فقدّم الملك عبدالله مبلغاً إضافيا للبنان يكون حراً في إستعماله ولكن حصراً لشراء السلاح والمبلغ المُقَدّم كان مليار دولار أميركي.

اليوم فاجأتنا وسائل الإعلام بأخبار تذليل " العقبات أمام توقيع عقد تسليح الجيش" بزيارة قام بها ولي عهد المملكة العربية السعودية  المتبرعة بأثمان السلاح موضوع العقد بعد أن إستحصلت فرنسا على الموافقات اللازمة من المراجع المختصة. لكن لا تزال هناك تفاصيل قانونية تحتاج إلى بعض الوقت قبل توقيع العقد.

لماذا ذللت العقبات لا ندري إنما الأحداث تظهر أن منع السلاح عن الجيش اللبناني الذي أُدخل في معارك مع داعش عند حدوده مع نظام الأسد ، فربما إرتأت أميركا أن الوقت حان وإن إستمرار منع السلاح ستكون له عواقب وخيمة  من الأجدى إستدراكها. الثمن ألذي دفعه لبنان بسبب التأخير كان كبيرا. عرسال دفعت من دم أبنائها وهدم المنازل فيها والهجرة منها. لبنان دفع ثمن عدم الإستقرار الذي ساد أيضا ، دفع الكثير من أمنه وإقتصاده ودماء بنيه. أما الثمن الأكبر فهم الأسرى من الجيش الذين تمكنت منهم داعش والنصرة وبدأت بقتل أحدهم ذبحا وهددت بذبح آخرين إن لم يتقيد لبنان بمطالبهم. لا نعرف عدد الأسرى ولكنهم يزيدون عن العشرين.

في بلد قبلي كلبنان هذا الذبح له مفاعيل من الأجدى للجميع منعه وإلا فالمصيبة أعظم.

بدأ الفساد يأخذ مداه منذ أن نسينا الإسقلال بعد أيام من حصولنا عليه ووصلت فئة من  الحكام إلى السلطة وأوصلت الأمم العربية إلى هذا الدرك المريع في تدنّيه. حتى الكلام والتعبير عن مكنونات الحكام أصابته السفاهة. أتانا صدام إبن حزب البعث وحافظ الأسد إبن البعث أيضا ليُسَفّهوا مفاهيمه وينزلوها من قِيَم إلى أدوات ونجحوا نجاحا مبينا. تحاربا علناً وعندما أعلن حرب عراق صدام وإيران الخميني والذي إستَمرَ لسنوات ثمانية، حانت فرصة العمر وتحالف الأسد والقذافي مع إيران ضدَ العراق البعثي أيضاً.

ومعمر القذافي الرحال الذي أخذ خيمته أنّى ذهب وضربها حيث إرتأى ليراه الناس فيتعرفوا إلى القائد الفذ وينظروا إلى عربِه من فوق إلى تحت وأتانا بلغات الزنقة وما دون الزنار في الديبلوماسية والسياسة. كلامه كان جديدا حتى علينا نحن الذين تمرّسنا بالكلام النافر.

وما إن ثارت الشعوب على حاكميها حتى سقطت دول القانون أو ما تبقى منه وسقطت بقايا القيم وسرنا مع السائرين إلى جنح ظلام لن نخرج منه إلا بخروج من أتانا من حكام ، داعش والنصرة وحزب الله وسرايا منظمات إيران الثورية والإخوان وكل من ترك القانون والتجأ إلى مذهب هو يفسره وعلى هواه. كلها مذاهب إسلامية ترفض كل من عداها مسلما كان أو غير مسلم فصدرت الفتاوى وسُنت القوانين معلنة توجهها المنافي لما ورد في السنة والقرآن الكريم  والمُجافي لحق البشر في الحرية حتى بحدها الادنى.

نجاح هذه التبدلات أسبابه واضحة للعيان أحدها وأهمها أن البيئة التي قبلت بهم عانت الكثير من حكامها الذين استباحوا حرماتهم وأذلتهم وشربت مما أنتجه عرق جبينهم قكان لأي بديل مكان والبديل الذي توفر في حينه لم يكن إلا ما أنبت الحقد من عتمة فكر ومعرفة وظلام لم يتبين الناس شدَته إلا بعد ما فات أوان رفض البديل.

أليس هجاء المتنبي لكافور يليق بمقام كل كافور في بلادنا اليوم يسرح ويمرح مادام يحِف الشارب ويطلق لحيته:

من أية الطرق يأتي مثلك الكرم*****أين المحاجم يا كافور والجلم

جاز الأُلى ملكت كفاك قدرهم*****فعرفوا بك أن الكلب فوقه
سادات كل أناس من نفوسهم*****وسادة المسلمين الأعبد القزم
أغاية الدين أن تحفوا شواربكم*****يا أمة ضحكت من جهلها الأمم
ألا فتى يورد الهندي هامته*****كيما تزول شكوك الناس والتهم
فإنه حُجة يؤذي القلوب بها*****مَنْ دينُهُ الدهر والتعطيل والقيم


ولهذا الكلام تتمة نأتي بها توضيحاً وإسناداً لما نرى ونسمع ونستنتج ونستشرف ومن ثم  ننشر والله مع الصابرين إذا صبروا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق