Powered By Blogger

الخميس، 23 أكتوبر 2014

ماذا لو تخلَّت أميركا عنّا


ماذا لو تخلَّت أميركا عنّا

ماذا لو تخلَّت أميركا عن مشروعها وقررت ترك الأمور تجري على طبيعتها في هذه المنطقة الحساسة شرق المتوسط؟ ليس مما يرد الخاطر أن تتخلى عن مصالحها الإقتصادية والسياسية والإستراتيجية لكنها تتفادي تعريض إقتصادها وجنودها وما تُثَمِّن إلى مخاطر تُربكها داخليا وتُضعفها دولياً ،  

أمامها خيار ترك الأمور لغيرها ليتصدى للمخاطر على أنواعها لأن الغير لا يستطيع أن يهرب أو يتهرب وهو في عزِّ المعركة القائمة على أرضه، وسيادته وشعبه محشور بين المطرقة والسندان.

الغير يشمل دولا ومنظماتا وأشخاصا تضعهم أميركا  في سلوكها هذا  في الزاوية وعليهم تتكل وتستند وربما تُموِّل أو تُسَلِّح  سراًّ ولكنها تغيب عن المسرح وعن تداعياته في انتظار الرجوع لرعاية وإدارة مصالحها متى إستتبَّ السلام واستقرّت الأوضاع بما يناسبها فتنسِّق وضعها المستجد وربما الصعب مع المنتصرين دافعي الثمن الغالي . هذا الخيار، خيار الهروب، له مخاطر جمّة وأهمها خوف الهارب من الذي أُلزم بمجابهة المهمة الصعبة بدلا عنه أن يكون وعَى وتعلم من خبراته الجديدة الغالية فيجعل من رجوعه معضلة حلُّها ليس في اليد.

أميركا اليوم وحلفها الكبير هم بالكاد في الساحة.  هي تغير بطائراتها على مناطق محددة في العراق وفي منطقة واحدة في سوريا وحتى الآن لم تفلح في صدّ داعش أللهم إلاّ بمقدار في عين العرب (كوباني ) شمال سوريا ولم تفلح بما يستحق الذكر في غيرها. وكانت هيأت لحربها جيوش وطائرات العرب لتعاونها وتتحمل عنها عناء التدخُّل وأتاها الجواب سريعا من العراق، من البلد الذي تحارب أميركا لأجله، برفض هذه الترتيبات وإستبدالها بإيران، البلد الذي رفضت أميركا ضمُّه إلى الحلف. ونذكر أيضاً وفقط للذكر مدى إهتمام أميركا بما يجري في اليمن وقبضة إيران على باب المندب ومضيق هرمز. لم نسمع من أوباما ولو ذكر اليمن كمشكلة وعدم الإهتمام بها لا يُصدَّق.

هذه الفذلكة الديباجة كتبناها لنُظهر مستوى المُمارَسَة الجدية من قبل أميركا وحلفها لنستنتج بأن تَرك أميركا للساحة وعلى عاتق الدول العالقة فيها مستبعد ولكنه ممكن. ونعرف أن تاريخ أوباما كقائد لأكبر دولة في العالم، تاريخ ضعيف لم يُتخذ خلاله قرار واحد يدل على قوة وعزم وتصميم لقائد له نظريا كل القوة وكامل الصلاحيات للأمر والنهي وهو لا يأمر ولا ينهي ولا "يكِش ولا يَنِش" كما نقول في عامِّيَتنا.

تركتنا أميركا لشأننا علّنا نحارب بدلا منها وهي التي أتاحت في المجال لداعش تنمو وتتجذر في سوريا ومن ثم تتمدد وتحتل نصف العراق الشمالي وكل شمال سوريا وتقرر متأخرة كما سبق وذكرناه في مستهل هذا المقال في إتخاذ خطوات لا تُسمن ولا تغني من جوع.  أي أنه في الواقع أميركا تركت الساحة والمحاربون فيها هم بعض أهلها ومتعاونين فارضين مساعدتهم علينا قبلنا أو لم نقبل.

المحاربون ظاهريا فريقان. الدولة الإسلامية (داعش) من جانب ودولة العراق بما فيها من أكراد ونظام الأسد وما له من قوى ومناصرين وأهمهم روسيا وإيران ومن يتبعهما أو يسير بإمرتهما. يتخيل للقاريء أن المذكورين يحاربون بعضهما دون إشتراكات أو تعقيدات فداعش من صوب والعراق والأسد من صَوْب. الواقع يختلف فداعش لا تحارب الأسد ولا هو يحاربها ومثال ذلك كوباني حيث طائراته لا تطير فوقها ولا تضرب داعش المحيطة بها من كل حدب وصوب. وداعش لا تضرب الأسد فهي تضرب فقط الجيش السوري الحر ، أي الجيش الثائر على الأسد، والنُصرة، منافسته في سوريا. الأسد يضرب بكل قواه الجيش الحر والمواطنين السوريين أينما كانوا ، لسبب أو بدون سبب.

وإيران تحارب من خلال دولة العراق كل من هو ضدها بغض النظر عما إذا كانت له علاقة مع داعش أو لا ولكن بالأولوية يحارب الآن بقفاز أبيض الخليج العربي برمته وسيأتي اليوم الذي يُسفِر فيه عن وجهه إن سنحت الفرصة أو سمحت الظروف ويُغَير وجهته ويحارب بالعلن. البحرين فيها أغلبية شيعية وإن كانت عربية يمكن قنصها. شمال اليمن المُحاذي للحدود السعودية أصبحت في يد أنصار الله (الحوثيين) الزيديين (الشيعة)وهي وإن لم تدخل حربا مع جارتها فإن لها مطامع ولها إمتدادات.

ولا يسعنا ما دمنا في هذا التعقيد الذي بالكاد وضعنا إصبعا عليه، الا أن نذكر تركيا وريثة الإمبراطورية العثمانية والتي لا تزال تحلم بأمجاد الماضي وطموحاتها معلنة ولا سِرِّية فيها وهي صاحبة الخلافة لأكثر من ستماية عام ولم تخرج من يدها الا منذ أقل من قرن وحلاوتها  لا تزال في الفم .

وطبعا إن نسيانا فلا ننسى الروسيا الجاثمة حاليا على صدر سوريا والتي تنوي وتجهد لتوسيع مساحة نفوذها أنَّى إستطاعت وبالأخص في المياه الدافئة على البحر المتوسط ومن يدري فقد تجد ملاذا في البحر الأحمر أو بحر العرب في المحيط الهندي. وربما لها مصالح بمشاركة الطامحين الطامعين الآخرين في ما يأتيهم من هذه المنطقة من فرص ومشاريع مُجزية.

إذا ما تركنا الأمور تأخذ مجراها بحربٍ كما وصفنا فلا بدّ من أن ينتصر فريق وينهزم فريق، وبالواقع لا معنى لكلمة "فريق" في سياق الحرب أو البحث في شجونه، فالفرقاء يتغيرون ويتبعون السموأل في كلامه وإن كان ما قال لا يصيبهم فهو قصد الكرام فقط:

إِذا سَيِّدٌ مِنّا خَلا قامَ سَيِّدٌ       قَؤُولٌ لِما قالَ الكِرامُ فَعُولُ

أي أن الحرب ستطول وتتغير الدول وحدودها وأهدافها والغايات التي تسعى إليها وربما طرقت أبواب التاريخ حروب أكبر أو أهم سلاحها أمضى ونتائجها أقرب وينسى الناس سايكس وبيكو ومن لفَّ لَفَّهما  وقد يأتي الفرج بعد أن تكون أمم إرتفعت وأخرى سقطت وغابت وأوباما شاخ وشاب ولم يَعُد الأمر له ولا حتى يعنيه وربما تكون جماهير حزبه نسيته وغاب من التاريخ وفيه.

أملنا وقد خاب مرارا ، أن يكون في مكان ما رجلٌ رجل يظهر  ويعيد بناء العالم ويزيل ما نرى اليوم وكل يوم من مهازل ومآسي أتتنا ربما من تاريخ قديم قِدَمَ الجهل والبؤس الذي جعله منارتنا لعقودٍ وقرون آن زمن زوالها.
22/10/2014




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق