Powered By Blogger

الاثنين، 13 أكتوبر 2014

مجزرة نيّات ومواقف


مجزرة نيّات ومواقف

صرح جون كيري " بأن واشنطن قلقة جدا مما وصفه ب"المأساة" في كوباني، لكن القرارات المتعلقة بها لا تحدد الإستراتيجية ضد "الدولة الإسلامية. أضاف كيري الذي كان يتحدث في مؤتمر بالقاهرة لإعادة إعمار غزة ، أن تجميع صفوف الإئتلاف الدولي تماما لمواجهة المتشددين سيستغرق بعض الوقت. ورأى أن التركيز يجب أن يكون أولا على العراق، بينما يجري إضعاف التنظيم المتطرف في سوريا."

ومن موسكو نقلت "نوفوستني" عن نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف ، على هامش مشاركته في مؤتمر القاهرة قوله:"إن نجاح حملة الإئتلاف ضد داعش  يتوقف على إستعدادها للتعاون مع الحكومة السورية".

ورئيس الوزراء التركي أحمد أوغلو في مقابلة صحفية" نحن الآن في حاجة إلى قوة أمن تحمي الشعب السوري من تنظيم الدولة الإسلامية والنظام".
تصريحات ثلاثة لفرقاء ثلاثة فاعلين في يوم واحد على أثر مشاركةالثلاثة في مؤتمر إعادة إعمار غزة.

لا يباغتنا ما قال كل من ممثلي الدول الثلاثة الأقرب للحرب القائمة اليوم في سوريا والعراق ولكن التأكيد على المواقف يطرح الكثير من الأسئلة التي تتضمّن الكثير من علامات التعجب والآيلة في النهاية إلى الإعلان أن لا حل لسوريا  لأنه ليس أولوية لأميركا  ولا حل للعراق لأن عوامل الفشل تتعدى أولويات الإئتلاف الذي لم يقرر بعد إستراجية تدخله في الحرب القائمة.

نضيف أن هناك موقفاً آخراً لا يمكن إهماله وهو العامل الإيراني القديم  الجديد المتجذر في العراق وصاحب النفوذ الأول فيه والناظر إليه أو إلى جنوبه، لا نعلم، كجزءٍ لا يتجزأ منه، جغرافيا ومذهبيا.

هذه هي الصورة الحقيقية والواضحة لما جرى وما يجري الآن من أمور غيرت حتى اليوم الكثير من الحدود والمواقف والخطط بالأخص في العراق وسوريا. ولن ندخل في مواقف وسياسات آخرين غير الفرقاء الأربعة ممن لهم تأثير ولهم نفوذ ولهم صداقات  ومصالح في كل من البلدين اللذين هما في صلب وأولوية منظار كل منهم.

لن ندخل في تفاصيل أصبحت معروفة للمتابعين ولا حتى في أهم موقعتين قائمتين وأحدهما على وشك أن تنتهي ونعني كوباني التي تلفظ أنفاسها ساعة بساعة ويموت فيها من يموت ويُهجر من لم يهاجر بعد، ونعني بغداد ثانيا  والتي تستعد الدولة الإسلامية لإحتلالها وقد حشدت الجيوش وقررت أن تدخلها عنوة والناس في إنتظار هذا الحدث المأساة  بينما يقرر الحلف أولوياته ويظهر أنه لن يقرر قبل وقوع الكارثة وقول من قال: "وفي الصيف ضيعتِ اللبن".

أما الحروب الأخرى القائمة الآن وتلك التي يُعَدُّ لها فذكرها يعقد الرؤى والرؤيا فلن نتحدث عنها إنما نُذكِر في أحدها، الحرب القائمة الآن بين القاعدة والحوثيين  في شمال اليمن وما ينتج عنها من إنشاء دول تلحق تقسيم البلاد ويتداخل فيها القريب، أي دولة اليمن والبعيد، أي الدولة الإسلامية في إيران.

وبعد أن رسمنا بخطوط عريضة لا تفاصيل فيها، ما آلت إليه هذه البلاد ، ندخل في محاولة لفهم ما ينتابنا وأما آن لهذا الليل أن ينتهي. ويشبهها  مقولة أسماء بنت أبي بكر , ذات النطاقين المقولة المشهورة في إبنها أبا حبيب عبدالله بن الزبير بن العوام الصحابي الجليل :" أما آن لهذا الفارس أن يترجل".

في سوريا لأميركا على ما يظهر سياسة تراعي فيها مصالح روسيا قدر الإمكان وهذا ظاهر في مجرى الحرب قبل نشوء داعش ولا يظهر أنه تغير الآن. وأميركا أيضا راعت مصالح إيران لتشابك الملف النووي بالملف السوري. وأميركا تعلن أنها ضدّ استمرار الحكم الأسدي ولكنها إكتفت بإزالة الملف الكيميائي من المعادلة فكان ما كان من إتفاق بين الفرقاء الثلاثة ليسلم الأسد ترسانته الكيمائية بدل تسليم رأس الأسد واكتفى أوباما من الغنيمة بالإياب، ماشيا على درب أمرؤ القيس في قوله:
وقد طَوَفتُ في الآفاق حتى ......رضيتُ من الغنيمة بالإياب

واستمرت الحرب في كَرٍ وَفَرّ إلى أن طلّت داعش برأسها وتغيرت المقاييس والأوضاع وتغيرت سياسات الدول دون أن تأخُذَ هذه السياسات شكلاً واضحاً. وانتقل الكابوس من سوريا إلى العراق وضاعت المقاييس وضاعت كلُ السياسات وارتفعت حصة التردد إلى مستوى ربما غير مسبوق.

تركيا وحدودها المشتركة مع سوريا وكردستان وإيران تبدو ,كأنها حصان السبق الوحيد القادر على محاربة داعش، على الأقل سورياً. لتركيا شروط وأيضا ربما هي على حق، فمَوقعها يفرض عليها سياسات تختلف عن تلك التي لأميركا لأنها في الواجهة وهي صاحبة الغرم، والغنم ليس لها. تركيا تشترط إزالة كل أصحاب المطامع الكبيرة أكانت ظلامية كما يقال هذه الأيام أو طامحة كبشار. هي لا تقبل بإزالة داعش ليحُلَّ محلها نظام الأسد الذي لا يقل ظلامية عنها. وهنا نقطة الإفتراق الأساسية بين الرؤيتين وقد يبقى الفارق قائماً إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا.

المشكل والمعضلة التي تسود الشرق العربي وتُشوِهها سياسات ومقولات وتصريحات ومواقف افتراضية كامنة تخيُلِيَة تبقي الوضع في سياق جديد فيها، لم تعهده ولم تواجهه ولا معرفة لديها نتيجة تجارب سابقة إذ أنه لعلمنا لا تجارب تضاهي ما يحدث اليوم. كل ما يحدث ويجري جديد جديد والكل في موضع الإنتظار.

المهم أن نتساءل عن الإنتظار وما قد يأتينا به. لا نرى خيراً يتأتى من مجرد الإنتظار. من ينتظر هم الذين أوصلونا إلى محطة الإنتظار هذه وعليهم أن يتحركوا. ومضت سنوات والإنتظار يأتينا بالكوارث ويأتيهم بمثلها عن حق ووعي أو عن خوف يتخيلون آتٍ اليهم، لا فرق،  فالخوف يتجذر ويتمدد ويُتَخَيّل وقد يطال أو قد لا يطال ولكن مفاعيله تتضح وتأخذ شكل البلبلة والتردد والتأجيل بينما العدو الجديد يعمل وينتشر ويحكم ويزيد الأزمة أزمات ونحن بالإنتظار.

بئست قيادات لا تقرر وتترك للغير المبادرة وتبقى هي لردة فعل تنقصها الرؤية الحادة والقرار الجريء. الدول الكبرى في التاريخ أسسها رجال رجال، قادوا دون تردد وأدركوا حجم المغامرة وقبلوها وساروا بها وحققوا أهدافها. وعندما شاخت القيادة وعاشت ترف الحياة وبذخها أتاها من لاحظ الوهن فيها وحلّ محلها،  كما حل أسلافهم بدل من شاخ قبلهم فورثوهم.

هل شاخت قيادات العالم وتركت المبادرة لغيرها. هل داعش ومن يليها هم أصحاب المبادرة الجديدة؟ إذا كان الأمر كذلك فلنتهيأ لِلُبس كفن أبيضٍ صانعه من جرَّنا إلى هنا.
13/10/2014



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق