Powered By Blogger

الثلاثاء، 24 مارس 2015

"في الصيف ضيّعتِ اللبن"


"في الصيف ضيّعتِ اللبن"
  
في الصيف ضيّعتِ اللبن ، مَثَلٌ عربي شهير يضرب لمن ضيّع الفرصة ، وفوّت الغنيمة ، وترك المجال الرحب الواسع ، ولم يكن له من ذكاء عقله ومن شرف نفسه ومن قوة عمله ما يجعله محصلا لمكاسب دنياه ومدخرا لمآثر آخرته

ذكرناه لأن هذه الأيام مليئة بمن تنطبق عليهم الأمثال في "ضياع اللبن" ونأخذ أميركة أوباما، وعربان هذه الأيام الذين لم يبادروا فتركوا للغير الفعل واكتفوا من الغنيمة بالإياب وباتوا يشعرون بالويلات لما جلبوا على أنفسهم وقرروا، هكذا أعلنت أميركا، "إستدراك " الأمور وإعادة التقييم لتفكِّر لاحقا بخطط ترسمها للإستدراك. أما العربان فلم "يضيعوا اللبن" لأنهم لم يفكروا أو لم يعرفوا بأن اللبن قد يضيع، لم يعرفوا بوجوده أصلاً، فلم يقوموا بعملٍ يستدعي الإستدراك

لا نملك من المعرفة بخفايا الأمور ما يؤهِّلُنا للحكم على أفعال أيٍّ من اللاعبين الكبار أو الصغار الفاعلين إذ " لم يبقَ بأيدينا إلا بقية دمع في مآقينا" ، قالها العارف بأحوال الدنيا المتشائم الدائم ، رهين المحبسين ، الشاعر الكبير أبو العلاء المعرِّي الذي عانى الأمرين في حياته وبعد مماته بقرون ، الأيام التي نعيشها ، فقد  دُمِّرنا ما أردنا أن نكرِّمه به، على قلته،  آثارا ومدفن أقيمت له في معرة النعمان، بلدته حيث عاش وأجاد في شعره وفلسفته

دولتان لا نجد ما يجمعنا بهما ولا نُصَلِّي لنجاح مصلحتهما لأن مصالحهما كلها تقتضي إقتطاع بعضا مما نملك من سيادة وكرامة ونفوذ وأموال أتى النفط بأكثرها وعرق الجبين له بعض الشكر، وكل ما أتى بعرق الجبين إضمحلّ أو ضَمُرَ بفعل من حكَمنا ومن يسعى إلى حكمنا . الدولة الفارسية وإسرائيل يفعلان ويعملان ويربحان بلا منافسة تستحق الذكر. لا تهمهما آراء ومواقف الدولة الكبرى لصغر من يحكمها قدرة وعقلاً وضميرا

الفُرس ونووياتهم تسمح لهم بطلب تواجد وزير خارجية مفاوضهم متى ما أرادوا  وأين أرادوا. يطلبونه ويأتي وحال وصوله يؤجلون العمل معه بسبب وفاة إمرأة جليلة المقام عندهم، فيسافروا إلى إيران ويقعدون يضعة أيام ويرجعون والوزير حاضر ناضر لا شغل له إلا مداراة حاجاتهم. هم من الخبرة في التفاوض التي  إكتسبوها على مدى قرون في بزارات مدنهم، طهران وشيراز وقم وغيرها،   وكيري حديث المعرفة بأساليبها يهرول ، كما إعتاد لمماهاة رئيسه في الهرولة نزولا على درج أو صعودا على آخر وربما لا يدرك بأن ما يطلب إليه مقصود ومدروس وتبقى تصرفات وأفعال رجال الدولة  هذه َتشِي بعقلية أثبتت فشلها

أما إسرائيل ، فحالها يختلف قليلا عن زميلتها الفارسية، فهي تفعل ما تريد. تُهجِّر أهل الضفة وربما قريبا أهل نكبة 1948 ولا تنتظر موافقة سيد البيت الأبيض. تصادر أراضٍ لا تملكها ، تبني عليها مستعمرات لمن تستقدم ، يهودها يحمل السلاح، مدنيا كان أو عسكريا، وله حق إستعماله كيفما شاء وارتأى شرط أن يكون المفعول به عربيا.  تتوسع لأنها تريد أن تكون كل فلسطين سايكس بيكو لها ولا تهتم بما يقال لها في مركز قرار أميركا. هذا هدف حيوي لن تتخلى عنه ولكنها لا تنسى ولا يغيب عنها أن يكون لها موقع مهم "يؤخذ بخاطره" في كل الشرق العرب

سؤال يفرض نفسه، هل أن أهل فارس وأهل إسرائيل على وفاق بينهما يغض الطرف عنه الساكن في البيت الأبيض، أم هو آخر العارفين؟ والأجدر سؤال ما إذا كان كل ما يحدث هو تخطيط مشترك للفرس واليهود يحققونه تباعاً بحرفة وذكاء مستور عنا ومخفي عن من يهمه الأمر؟. وأكثر ما يتوارد إلى الخاطر ويثير الإحباط ، هو ما إذا كانت أميركا ثالثة الأثافي في الحلف الجهنمي هذا، إذ أنه إذا صح هذا الشك فإنه يفسر الكثير إن لم يُفسِّر كل شيء

مشكلتي أنني صرت عندما أكتب أعتمد أسلوب "النَقِّ والنكد" فأشتكي، ولما لا أجد من أشتكي إليه لا أرى مناصا من الرجوع إلى شاعر قديم متشائم أو بطلٍ عربي قديم يشكو، فأشكو معه

الدنيا بحاجة لغير أوباما وبشار والحوثي وأبو بكر البغدادي وأمراء وملوك في غير محلهم ، ونتنياهو والمرشد الوالي وفيالقه الفرسية والعربية وغيرهم ممن أصبحوا "وجه السُحَارة". نريد رجالاً  "منا وفينا" يؤتمنون ، تفوَض لهم أمورنا، يحكمون بحكمة وبعدل ولا تهمهم المناصب التي يموت الناس لأجلها كي يبقى سرور الطغاة والفاسدين  قائما وتبقى "السحَّارة" بوجهها الحالي المغشوش دوماً

سِنان 25/3/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق