Powered By Blogger

الأحد، 22 مارس 2015

أما آن لهذا الفارس أن يترجّل


أما آن لهذا الفارس أن يترجّل

دخل الحجاج بن يوسف الثقفي على أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ، فقال كيف رأيتني صنعت بعدو الله ،قال ذلك بعد أن ضرب الكعبة بالمنجنيق وقتل إبنها  أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير بن العوام الأسدي القرشي، وإليه يشير "بعدو الله" ، وصلبه على باب مكة لأيام طوال. ذهبت إلى حيث صُلب  لتزوره وقالت حينها  "أما آن لهذا الفارس أن يترجّل" ،  أجابت الحجاج   "رأيتك أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك".

 واسترسلت فقالت للحجاج: بلغني أنك تقول لولدي يا ابن ذات النطاقين،  أنا والله ذات النطاقين . أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه و سلم وطعام أبي بكر من الدواب،  وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. سماها النبي كذلك لأنها  لما أراد الهجرة،  هيأت له السفرة واحتاجت إلى ما تشدّها  به فشقت خمارها نصفين شدت بنصفه السفرة، واتخذت النصف الآخر منطقا لها، أي لبسته. ثم قالت له :حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم،  حدثنا  أن في ثقيف كذابا ومبيرا (مُهْلِكٌ يُسْرِفُ في إِهلاك الناس) فأما الكذاب فرأيناه وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قيل فقام عنها ولم يراجعها بعد ذلك.

أسرد هذه الرواية وهي في صلب ثقافتنا والعادات والتقاليد كما هي قصة عن بداية الإسلام ومعناها لا يحتاج لشرح أو تحليل أو تأويل أو إجتهاد أو تفسير . إنها من تاريخنا جيدا كان ام نقيضه. آخُذُها مدخلاً لقضية صُلِبَت على باب كل مُقَدَّس عندنا وعلى منبر كل مسجد جامع وهيكل كل كنيسة وداخل كل ضمير وصميم كل دين.

 نسيها العربان وهَزَّ كيانها كل من عمل فيها أو عليها، دولاً  ومنظمات وهيئات،  هجّروا أهلها وشرَّدوهم ونالوا حتى من كراماتهم ، ولم يأتي ويحين  زمن "ترجُّلهم " من الصليب الذي لا يزال بعض العالم يَدُقُّ المسامير فيه لإبقائه حيًّ وعلى حاله ليصعب نزعه. لا أفاجيء أحدا إذا قلت أن فلسطين هي المصلوبة ، جلاّدوها مشغولون على تثبيتها  وتفتيت كيان كل من قد يكون سببا ولو فرضيا في "ترجُّل"  المصلوب. لن أطيل ولكن لا بد من مراجعة ولو قصيرة للمصلوب وأحواله والمستقبل الذي يُرسم له. الرجوع إلى الماضي غير ذي فائدة لأن الكل يعرف كيف تَمَّ الصلب والخلاف الوحيد بين الناس هو إذا ما كان الصَلب عادل أم أنه كان عمل  نهت عنه كل الأديان والكتب السماوية والقوانين الدولية ، أم أن كل تلك لا تنطبق على هذا المصلوب لأن في كل عدلٍ إزدواجية، أردنا أم أبينا.

المسألة ليست رأيا  نعطيه بل عملا يوميا وسياسة مقبولة من الدول الديمقراطية الراقية والقوية والفاعلة وحدها في الميدان  والتي لا تجد فيما جرى ظلما في حق بأحد بل تستمر في الصلب والمعاقبة  وتدافع عن عملها ولا ترى ما يمنع القول جهارا نهارا أن المصلوب فاقد الشرعية ، داعشي الهوى غير مرغوب فيه والأحسن إستئصاله لأنه إرهابي أو قَد يصير به المصير إلى الإرهاب. هكذا وبكل بساطة يرون الأمور ويحكمون على أهل البلد والشعب المصلوب منذ ما يقارب القرن من الزمن.

المذهبية سيدة المواقف كلها. في العراق شيعة وسنة يتناحرون ويتقاتلون وفي اليمن زيديون وشافعية كذلك أما في سوريا فشيعة الخارج والعلويون متضامنون ويحاربون من السنة ما كان موجوداً وما إستُحدث، أما في لبنان فالوضع مُعقَّد فالشيعة تحارب السنة وضمَّت إليها بالإغراء بعضا من المسيحيين اللذين زعيمهم متهالك على المناصب و"النهاب والسبايا" فاستغلّوه.  أما في فلسطين فيهود حاربوا ولم يَكُفُّوا عن حربهم ضد سُنة البلاد ومسيحييها .

ودخلت على هذه المشكلة شيعة الأئمة الصفوية الفارسية إلى شيعة العرب فأعطتهم مالا وزخما عسكريا  ونصرتهم على "أعدائهم" وحلَّت محلهم في القرار والحكم . العمامة وما يماثلها عند الآخرين رمزٌ عتيق أُعيد إحياؤه دلالة القوة واساليب الحكم المستجدة ، فأعادت صياغة مفاهيم كثُر تردادها فأصبح للعدل معنى مستجد يحدده أبو بكر البغدادي أو الولي الفقيه وللحَدِّ سوطٌ وسكين بدل جزاءٍ تقرره محكمة أنيط بها إصدار الأحكام ، وهكذا دواليك فقد تخربطت الأوضاع ولم يعد من السهل متابعة آلية أو سرعة تدهور مستويات العيش عدلاً أو أكلاً أو طبابة.

والأبشع والأحطّ هو أن يكون من "مواشي" هذه الطفرة العقلية في الحكم والعدل ومفاهيم سبق وسمعنا عنها ولم تتحقق، الغرب المتمثل بأوباما وكيري ومن لف لفهما وفهم عليهما واقتنع أو أُلزم على ذلك، "بمغطس" مثل ما نشاهد اليوم فيهيؤوا للفرس طريقا لأحلام لم تغب عنهم، ودعموهم ولا يزالون وباعوهم العرب بوثيقة وإتفاق تنفيذه، برأينا، غير مضمون،  فقط لأن الضمير غاب أو، لا نعرف إن كان له وجود في السابق الغابر، وقتضت المنافع وبالأخص الشخصية منها أن يمشوا في هذا الطريق فمشوا كغيرهم من مواشي "النعيمة".


سِنان 22/3/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق