Powered By Blogger

الأربعاء، 3 يونيو 2015

أقليات ورؤى


أقليات ورؤى


السموأل بن غريض بن عادياء بن الحارث الأزدي يهودي عربي، ذو بيان وبلاغة، كان واحدا من أكثر الشعراء  شهرة وكان من سكان خيبر التي تقع  إلى الشمال الشرقي من المدينة المنورة وكان يتنقل بينها وبين الأبلق الفرد ، حصن له  في تيماء. عاش في القرن السادس الميلادي وتوفي سنة 560م. كان وفيا صادقا وقصته مع إمرىء القيس لا تترك مجالا للشك في وفائه لوعده
قال:؟
وما قلَّ من كانت بقاياه مثلنا      شباب تسامى للعلى وكهول
تُعَيِّرُنا  أنّا  قليل  عديدنا             فقلت لها  إن  الكرام  قليل

نسوق هذا الكلام لنقول أن البشر العرب وحتى قبل الإسلام بقرن من الزمن كانت لهم ذمة واحتراما للذات ووفاءا للوعد وإيمانا بما فرضه عليهم دينهم فتصرفوا بعنفوان وضَحُّوا ليعيشوا إيمانهم وكبرياء معتقداتهم ولم يتوانوا فضَحُّوا بفلذات الأكباد لتبقى لهم صدقية واحتراما بين الناس تريحهم وتريح الجميع عناء التخفي عمّا يضمرون تلافيا للوقوع في شرك شرير ما

هذه الصفات غريبة في هذه الأيام ، يوم يُذبح الرجل أو يحرق لمعتقده ويًهَجّر وتسبى عياله و يُستوطى حيطه لأنه ينتمي إلى دين أو مذهب يغاير دين قاتله أو مذهبه،  والمعتدون هم من مذاهب عِدَّة.  المذاهب متنوعة وأساليب القتل والإذلال نفسها. أكثر المعتدين علتهم عدم فهم دينهم.  يُصًوَّر لهم بشكل يتماهى وأهداف من يُفًسِّره ويسهُل على البسيط الواثق من معلمه وسيده والنيات عمليات القتل فيذبح طلبا في إرضاء الله والوصول إلى الجنة التي لم تتغير رؤياها، مياه وأشجار وحواري تماما كتفاسير الحشاشين وشيوخهم

  شيخ الجبل حسن الصباح ، الشيعي، منشيء جماعة الحشاشين ومؤسسها في بلاد فارس  والتي أصبحت دولة ودامت  لما يزيد عن القرنين ، وخلفاؤه،  كانت شعاراتهم  دين ومتعة واغتيالات وشهادة في سبيل الله. كان خلاّقا ومبدعا في تحقيق أهدافه وإنجاح أعماله . بنى قلعة سمّاها " قلعة آلموت"  وتعني بالفارسية "قلعة النسر". عاش متواريا فيها، وزودها بجنة دنيوية فيها كل ما لذ وطاب من حواري وأطعمة وشراب.  كان يعدُ ويوفي لمن تتلمذ على يديه أو تعلم في مدارسه وأن  طاعته لرؤسائه تدخله الجنة. ولم تكن الجنة عندهم فكرة فقط بل كانت واقعا ، فالقلعة تقدِّم عينة مما تقدمه الجنة .  طوّع النصوص الدينية واستخدم الآيات القرآنية لإضفاء القداسة على أعماله وأهدافه

أما ما كانوا يُدرِّسون ففنون المكر والخداع والشعوذه وكذلك فنون الاغتيال بالخنجر والسكين  وفنون القتل بالسم
يناولوهم  من حشيشة الكيف المخدر جرعات كبيرة وينقلوهم الى حديقة في القلعة وعندما يفيقون يشاهدون ما لم يشاهدونه في حياتهم وما لم يخطر على بالهم وتقوم الفتيات الجميلات والغلمان المرد بخدمتهم ويتمتعون بهذا النعيم ويقول لهم مُعلموهم ان هذه هي جنة الخلد وهذه الانهار من خمر ولبن وعسل وماء وهذه الحور العيون وهؤلاء الغلمان المرد هم لكم في الآخرة

الأساليب تتكرر اليوم مع فارق يُسَهِّل على "شيوخ الجبال"نشر عقائدهم والزينة التي تحيط بها مما لم يكن متوفرا لحسن الصباح وأمثاله، فهم "أخذوا وقتهم" في التهيئة والتبشير واليوم تقوم "داعش" وتنتشر بإعلام ناشط ، تستقدم الأزلام من كل فجٍّ عميق مقابل المال بدل القنب الهندي، وفي سنة واحدة تصبح من القوة بحيث تنشئ دول العالم الأحلاف لمحاربتها ولا تنجح

والفرق الشيعية لا تختلف عن السنية منها وتقوم بما تقوم به من أعمال ليس اقلها القتل وإحراق الأشخاص، والجميع "يستوطي حيطان" الأقليات ويبدأ غزواته بها. الأقليات المزعومة عربية أو ضاربة في جذور الأرض التي هي اليوم عربية . الأقليات هي التي أقامت للعرب ثقافة وعلما وتاريخا وحتى هيأت لها  ظروف إنتشار دين أكثريتها وكانت هي  تُقِرُّ بذلك إلى أن أتت موجة شطط وحقد وجهل وتزَمُّت وتعَصُّب أعانتها على صعودها المفاجيء ، أموال إشترت الضمائر واستزلم لها من الرجال من  كانوا رجالا  وسربلتها منافع شخصية ، مذهبية، إقليمية أو حتى دولية لا يعلم أحد معناها أو مداها وإلى أين تأخذنا في شططها وعشوائية القرارات المتبدلة المترددة فيها والواعية فقط لما تظن أنه يناسبها

لن يحل المشكلة التي نعيش إلا زلزال فكري وصحوة جماعية وضمائر تستيقظ وإن تعذَّر فزلزال أرضي يطيح بهم ولا بأس إن شملنا علّ أن يكون فيه درسا للأجيال التي تأتي بعدنا؛  زلزال مدينتي سدوم وعمورة أخرى وخطايانا لا تقاس بهما ولا تقل عن خطاياهما. هل يتكرر؟


أركان 3/6/2015

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق