Powered By Blogger

الجمعة، 4 ديسمبر 2015

الخبث الرديء

لطالما اعتبر التعاطف الأميركي مع "دولة إسرائيل" سيِّد الموقف في المحافل الدولية، وترجم في دعم الخطوات الاستيطانية والتغاضي عن الاعتداءات السافرة على الفلسطينيين. ولعلَّ هذه المعادلة ساهمت في امتعاض إن لم نقل عداء شعوب الدول العربية إذ اتهمت الولايات المتحدة الأميركية بالخضوع إلى رغبات الكيان الصهيوني، فانعكس التعاطي الأميركي ومقاربته القضايا الشائكة سلباً على المشهد السياسي المُسيطر على الدول العربية. هذا الاتهام رافقه انتقاد شعبي عربي لم يتجسَّد لغاية يومنا هذا في ضغطٍ أو خطوة تهدف إلى نسفِ التحالف الأميركي  الإسرائيلي السائد منذ عقود بغية تغيير مسار اللعبة الدولية، وربما لن يتجَسَّد لأن ذلك يقتضي تغَيُّرا في أسس التفكير السياسي والذي لم تتجسد حتى الآن أيٌّا من مقوماته أو من حتى من عبارات يكتبها أو يتفوه بها أميركي ذو قيمة


جميع القوى الدولية مارست خبثاً رديئاً حيال المأساة السورية. جميعها تحدّثت بلغة مبهمة فيما يُدمّر بلد بأكمله .جميعها هربت إلى المؤتمرات والبيانات والتهريجات، فيما كانت سوريا تُبَدّد وتضيع، وتتحول إلى ساحات حرب أهلية كبرى، بلا توقف أو مهادنة أو رحمة. من موعد في جنيف إلى موعد في فيينا، إلى موعد في القاهرة وأخيرا وليس آخرا في الرياض . لم تتوقف الحرب لحظة واحدة. ولا الموت ولا الخراب ولا مشاريع اقتسام سوريا

سوريا التي عرفناها قد لا تعود. مثلها مثل فلسطين و العراق. وربما ليبيا. ليس من قوة واحدة قادرة على إعادة الجمع. النظام مُنهك، والمعارضة مفتتة. والقوة الوحيدة التي تتجمع عليها الدول الكبرى هي "داعش". و"داعش"، يقول أوباما وليته مارس السكوت للحظة لنأخذ أنفاسنا ، إنه لا بد من هزيمتها، في حين كان وزير خارجيته يقول إن ذلك سوف يستغرق خمس سنوات. تحالف من 65 دولة أو يزيد وتضاف 
إليه الروسيا وبطولات بوتين،  يقول رئيسه، أي رئيس الإتلاف الدولي،  إن ميليشيا مجهولة الأصول لن تهزم 
قبل خمس سنوات من الحري لن تبقى ولا تذر

ثلاثة عشر مليون سوري، على اختلاف انسابهم واعراقهم واديانهم، تركوا ديارهم. والبلد الذي وصفه عبد الناصر بقلب العروبة النابض، نبضت فيه جميع القوميات منذ بداية الحرب، وبُعِثت جميع المذاهب خلال 21 سنة تلت الاستقلال، عرفت سوريا 20 انقلاباً عسكرياً، انتهت بـ"الحركة التصحيحية" التي اتانا حافظ الأسد بها . لكنها جميعاً لم تترك شيئاً من الضحايا والدمار الذي كدَّسته السنوات الخمس الأخيرة. 75% من السوريين يعيشون في ظروف قاهرة سيئة ومهينة ، وكما تقول الأمم المتحدة، ، نصفهم لا يملك ما يسد حاجاته البدائية، وواحد من كل خمسة سوريين مهدد بالمجاعة وسوء التغذية. هناك جيل كامل معرض للضياع. تقول "اليونيسيف"، أكثر من ثلاثة ملايين تلميذ ليسوا في مدارسهم والتي دُمِّرت أو احتلت او خُرّبت، كما تفيد منظمة  World Vision وعدد كبير من هؤلاء وجدوا طريقهم إلى الميليشيات الكبيرة أو جيوش الحارات وقد يكون عددها الف واحدة أو أكثر ومنها ما يذكرنا  بزواريب بيروت، ايام الحرب

كيف يستقبل السوريون الكلام الذي يسمعونه عن مصائرهم؟ كيف اصغوا، طوال أربع سنوات على الأقل، إلى الكلام الروسي المائع، والكلام الاميركي الممل، والكلام الاوروبي غير المفيد، وبيانات الأرشيف في الأمم المتحدة، وزحمة المقاعد في الجامعة العربية؟ مجموعة مقامرين كل واحد يخبئ ورقته من أجل أن يخدع الآخر. لو كانت هناك مجموعة نيات ملتقية حول سوريا لاقتضى الأمر مؤتمراً واحداً، ينتهي إلى صيغة تسوية مقبولة أو معقولة. لكن جميع المؤتمرين كانوا ينظرون إلى ما وراء سوريا. إلى منطقة لا تزال تحركها، بعد مئة عام، مخلفات سايكس بيكو وتحالفات التراجع والانهزام

وضعت اتفاقات سايكس  بيكو فوق اشلاء الامبراطورية العثمانية، "رجل أوروبا المريض"، والآن تشتعل المنطقة بحثاً عن خرائط أخرى، في ضوء يقظة السلطنة العثمانية والامبراطوية الايرانية والإمبراطورية الروسية. ففي حين لم تتردد تركيا في اسقاط "السوخوي" بصواريخ أميركية قديمة، لم تتردد المصادر الايرانية في الإعلان عن أن الجنرال قاسم سليماني اصيب بجروح طفيفة في معارك سوريا

"التحالف" و"الحلف" في حرب كانت بالواسطة ولم تعد كذلك. لكن العسكريين الخمسين الذين أرسلهم أوباما إلى كوباني لمساعدة أهلها، لم يجدوا أهلها هناك. الرعب منعهم من العودة إلى بيوت تحولت إلى رماد في أي حال. حظ السوريين براميل متفجرة لا تتوقف، و"داعش" يبيد كل بقعة تمر بها. وجائزتهم الكبرى، المؤتمرات. لقاءات ومكالمات كيري ولافروف، ثم تصريحاتهما المشتركة

 ماذا قال هذان الرجلان كيري ولافروف حتى الآن؟ لا شيء "يُسمن يُغني عن جوع"  ولا تطمينا بانتهاء المأساة في قريب عاجل بل هما يستمران في قول ما لا معنى له ويرددانه ويعيدان قوله لعِلَّة نأيهما بنفسيهما عن مصالح الناس التي لا تأتي إلا من رجال صادقين والسيدان المشار إليهما بما يمثلان يخدعون الناس لأن ما ينوون عمله من أفعال ضارة وصفه في كلام لا يستقيم في أي قاموس نظيف

4/12/2015

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق