Powered By Blogger

الأحد، 29 نوفمبر 2015

الفوضى الخلاَّقة


الفوضى الخلاَّقة أو البناءة مفهوم قديم ورد في كتاب "الأمير" لميكافيلي وتحدث عنها فلاسفة قبله وإخترعه مجدّداً  الأميركي صامويل هانتنغتون وجَنَّدته المؤسسات العسكرية والمدنية في أميركا لتبرير ما لا يمكن تبريره، لكن هذه الفوضى لا هي خلاّقة ولا بنّاءة . فقط فوضى بمعناها القاموسي أي اِخْتِلالٌ في أَداءِ الوَظَائِف وفقْدان التَّوازُن الإنساني  وإِضْطِرَاب سببه غائب غير معروف ، كلها مجتمعة قد تَصِف الحالة السياسية والأمنية والإقتصادية والنفسية التي يعيشها البشر في بقعة كانت مهبط الديانات الإبراهيمية الثلاث ومُصَدِّر الحرف إليه

هذه البلاد بما فيها مصر والعراق وسوريا وفلسطين واليمن تؤرخ الحضارة الإنسانية بكُلِّيتها ومنها إستعار باقي العالم فلسفته وقِيَمه وحضاراته وإنسانيته واعتمد على ما تعلم منها بقوانينه والكثير من عِلمه وهو الآن يَرُدُّ الجميل بأسلوب ناكر الجميل، وقد تمَرَّس بمفهوم القوة والثروة كيفما أقتضى حال الحصول عليها وانحرَفَ إلى حيث لفظت حضارات البلاد التي تعُمُّها الفوضى نفَسها الأخير. إلى هذا القعر السحيق هبطت حضارات كنا نَنحو إلى التمَثُّل بها ونأمل العيش تحت مظلة مفاهيمها ولكن ما رأينا غَيَّر طموحاتنا وألزَمنا الإبتعاد عنها كي لا تصيبنا عَدواها ولا يتشابه مصيرنا الإنساني مع مسِيرتهم

هل الفوضى المُعربدة في سوريا خلاّقة وبنّاءة ؟ أليست سوريا والعراق وقد كانا فيما مضى دولة واحدة يوم كانت الدولة العثماتية تُسَمَّى "رجل أوروبا المريض" ولم تجد الفوضى خلالها إلى البلدين سبيلا. ثم  حلَّت محلها دول العالم العظمى فلم تترك فيها نًفَساً إلا ضَيَّقوه وأدخلت فيها من بذور الخراب والشقاق ما ضَمن لهم حكما مريحا في البلدين مجزياً بالتأكيد لأنهم أبقوا حكمهم وكأنهم على رأس البلدين وحتى بعد الإستقلال الشكلي الذي "نعما" به،  وأورثوا ما لهم لمن جاء بعدهم (أميركا) واستولى على مقادير الحكم وحل محلهم مُرشدا مستفيدا صدَّقه اهل البلدين ورَضيا بحكمه إلى أن بان أن السيء  والأسوأ سيان وإن من جاء ليس أفضل ممن رحل

الروسيا دخلت الساحة وأحضرت طائراتها والصواريخ من العيار الثقيل وضربت وتغنّت بعدد طلعات طائراتها وخسرت إحداهن على يد حليف وبدأ العراك واستشرت الفوضى وتبين أن سبب الفوضى هو أن روسيا ليس في يدها ولا في علمها أهداف تضربها وهي تلوم الحلفاء وأميركا وتركيا لأنهم لم يَدُلّوها على الأهداف في هذه الحرب  وعاتبتهم و"زعلت" عليهم لأنها لم تُعطى عناوين "الإرهابيين" المفروض قَصفَهم ؛ أهناك فوضى يمكن رصدها تعلو أو تتفوق على هذه الفوضى؟ تدخل الحرب وتقصف دون أن تعرف أين ولماذا تقصف؟ وربما تعرف ووجدت  أن الحجة هذه تغطي حقيقة ما تضمر.  مثلا يمكن أن تكون خاضت هذه الحرب ليس ضد داعش إنما ضد الثورة السورية التي أعلنهاالشعب ضد النظام المهتريء والمتمثل  بالأسد. في كل حال فإنهم لم  يُخفوا أن حمايتهم لحكم الأسد والتي هي جزء من إستراتيجيتهم كانت سببا في أساس المغامرة ومعها وأيضا هدف إبعاد المسألة الأكرانية عن أذهان أوروبا وأميركا وكل من لا يتمنى لبوتين الخير

الفوضى لا تقتصر على ما ذكرنا فهناك الفوضى الممسوكة أمنيا في مصر . مصر ربحها ولو جزئيا بوتين وتم بذلك إضعاف أكبر دولة عربية، وخبرات مصر مع روسيا كان يجب أن تمنع السيسي من التسرع الذي ربما تدفع البلاد ثمنه  فوضى تعم البلاد،. وهناك فوضى التشابك الإيراني السني والداعشي والكردي والأميركي والتشابك المُمِلّ من كثرة الحديث عنه أي الشيعي السني الممزوج بالتشابك الذي تسببه كل الأقليات الأزيدية والمسيحية والتركمانية والتي بدأت بِلَمِّ شملها وتأسيس أجهزة عسكرية بدأت طلائعها تَطُلُّ علينا وباشرت القتال في مناطق مختلفة ضد من آذاها وستكبر حجما وقدرة لأنها تتيح لآخرين التدخل في حروب المنطقة والحصول على الجوائز التي تنتج عنها

الأمثال والوقائع تحتضن الكثير من الفوضى وضياع كبير وحاضن يعلو عند صانعي القرارات دوليا وإقليميا

28/11/2015